مهرجان المسرح العربي.. مختبر يرتقي بفنون الخشبة

  • 1/6/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة:غيث خوري جدد مهرجان المسرح العربي منذ تأسيسه في عام 2009، وعبر دوراته المتلاحقة الأمل بدور المسرح ورواده في خريطة الفعل الثقافي على امتداد الوطن العربي، وبث جرعة من التفاؤل في شرايين الحركة المسرحية العربية للنهوض بواقعها العملي، وذلك لما يحفل به هذا المهرجان من نشاط وعمل كبيرين على صعيد التنظيم والمشاركة والرؤية، والإيمان الكبير بقدرة المسرح ودوره الكبير في رسم معالم الثقافة والإبداع في أي مجتمع. اليوم نحن على أبواب الدورة التاسعة من هذا المحفل المسرحي، والتي تستضيفها الجزائر، في مدينتي وهران ومستغانم في الفترة ما بين 10 و19 يناير/ كانون الثاني الحالي، وتقام تحت عنوان (دورة عزالدين مجوبي)، وهي دورة أريد لها أن تكون استثنائية بكل المقاييس، والتي ستمتد على مدى 10 أيام بدلاً من 7 أيام كما في الدورات الماضية، وستقدم خلالها 28 عرضاً مسرحياً، 8 منها في داخل المنافسة علىجائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، والبقية تقام بالموازاة معها، ويشارك فيها 550 مسرحياً عربياً. لقد سبق هذه الدورة، ثماني دورات مثلت بعداً حقيقياً من أبعاد التعاون والتواصل الفعلي بين المسرحيين العرب، من أجل الارتقاء بفنون المسرح العربي، ليكون معبراً عن آمال وطموحات الشعوب العربية في الرقي والتطور، فمن القاهرة وتونس وبيروت، وعمّان، والدوحة والشارقة والرباط والكويت، توحد العمل المسرحي لخلق حالة استثنائية ومنصة فنية تمتزج فوقها رؤى المسرحيين وإبداعاتهم من كل المشارب والتوجهات والأفكار. يتمتع مهرجان المسرح العربي بخصائص تمنحه الفرادة والتميز على أكثر من صعيد، بداية بكونه مهرجاناً انتخابياً تشارك فيه عروض مختارة من كافة دول الوطن العربي، وذلك بعد ثلاث مراحل من التصفيات، تتولى كل مرحلة لجنة من الخبراء والمتخصصين في مجال المسرح لكي تختار الأحسن والأفضل، إضافة إلى انفتاحه على كل التجارب الحديثة في مجال المسرح، وفتحه الباب للتجريب الواعي الباحث عن صيغ إبداعية غير تقليدية، ويشجعها، سواء بانتخابها ضمن العروض الرئيسية أو بإدراجها ضمن العروض المرافقة لكي يرى الجمهور تلك المبادرات الإبداعية ويقيمها وتكون حافزاً لمسرحيين آخرين لكي ينتجوا على منوالها. لقد التفت مهرجان المسرح العربي في مشواره إلى واحدة من القضايا بالغة الأهمية، والمتمثلة في الطاقات الإبداعية الشابة، وضرورة رعايتها ودعمها، فقدم سلسلة من الورش والندوات التأهيلية تفتح أمامهم رؤى جديدة في استكمال درب المسرح العربي، مشكلاً علامة فارقة في نقل الخبرات المسرحية الكبيرة للأجيال الشابة والمجددة في المسرح العربي، كما فتح المهرجان ذراعيه أمام المسرحيين الشباب، ووفر لهم فرص التدريب على يد كبار الفن العربي، وقدّم فرصة كبيرة لاستلهام تجارب أسماء راسخة في المسرح المعاصر. يمكن الوقوف عند مهرجان المسرح العربي بوصفه نموذجاً موفقاً في تنظيم المهرجانات العربية، فالمتابع لفعالياته يجد أنها تستند إلى رؤية تُعنى بمناقشة الراهن، مثلما هي معنية بإصلاح المستقبل، وضمان حضوره، عبر مجمل عروضه التي استلهمت الواقع العربي، وما يدور فيه من أحداث، فعكست واقع المجتمعات العربية، من خلال معالجات درامية متنوعة ومختلفة، كان جل اهتمامها هو نفض الغبار عن كل ما يعتري هذه المجتمعات من نواقص، وكل ما تحتاجه هذه المجتمعات وتتوق وتصبو الوصول إليه. حفلت دورات المهرجان، ببرنامج ثقافي فكري متنوع، ما بين العروض والندوات التطبيقية والتكريمات، وبرز الملتقى الفكري كأحد الثوابت في هذا البرنامج، فعلى بساطه تحلل الموضوعات، وتستقصى عبر بحوث، يضطلع بها خبراء وأكاديميون، يحضرون من جميع أنحاء الوطن العربي لتداول قضايا المسرح وشواغله، في مسعى لوضع صيغة أو معادلة تجعل من المسرح فناً للجميع، وتأصيل المسرح كحالة ثقافية ثابتة في حياة الإنسان العربي، كما يطرح أسباب الغياب الجماهيري والعزوف عن الحضور والمشاركة، وحال المهرجانات والفرق المسرحية في الوطن العربي، وغيرها من القضايا الجوهرية في أبي الفنون، مسترشداً في طرح قضاياه ببوصلة الواقع الذي يعيشه الفنان المسرحي والأسئلة التي يبحث لها عن حلول، أهمها ثنائية النخبة والجمهور هذه قضية شغلت بال المسرحيين لسنين طويلة، نظراً لحالة عزوف الجمهور عن حضور العروض المسرحية الجادة، والتوجه نحو المسرح التجاري، الذي يخلو من المضامين والقضايا الهادفة التي تهم المواطن العربي. لم تتوقف الجلسات الفكرية عند موضوع النخبة والجمهور، بل انشغلت بمواضيع مسرحية كثيرة، منها حالة الفرق المسرحية العربية، وأساليب إدارة هذه الفرق، وما واجهته وتواجهه من تحديات وصعوبات لتستمر بتجربتها وترسخ حضورها في المشهد المسرحي العام، خصوصاً وأن عنصر الشباب كان ولا يزال يلعب الدور الأكبر في إنشاء هذه الفرق. كما عالجت الدورات المتتالية، موضوعات الكتابة المسرحية بين الدراما وما بعد الدراما، والتجريب في المسرح، والخشبة والبعد الرابع، وعناصر العرض، والمسرح والتكنولوجيا، وأساليب الديكور، والحوار والسرد، والتمثيل في المسرح، وقراءة الطاولة، والإعداد المسرحي، والمسرح وسؤال الآخر، وغيرها من القضايا الجوهرية والمركزية في حياة المسرح العربي. إن المأمول هو استمرار دورات المهرجان، وتطورها المستمر ومراكمتها التجارب والخبرات التي من شأنها أن تفضي لحالة مسرحية نوعية متميزة وفاعلة في صلب مجتمعاتنا العربية، وليكون المسرح أحد المؤثرات الرئيسية في عملية الإبداع والفن على صعيد شامل واضح المعالم والأهداف.

مشاركة :