أزمة ثقة بين الصحافي والمسؤول تهز صورة الإعلام المصري حالة من الجفاء وانعدام الثقة تسيطر على العلاقة بين المسؤولين الحكوميين والصحافيين في مصر، بسبب ضعف الأداء الصحافي المهني لدى البعض منهم، وهو ما ضاعف من القيود المفروضة على عمل الصحافيين وساهم في تشويه صورتهم لدى الرأي العام. العربأميرة فكري [نُشرفي2017/01/06، العدد: 10504، ص(18)] التركيز أصبح منصبا على عدد الأخبار وليس مضمونها القاهرة - خلقت حالة عدم الثقة بين الصحافيين والحكومة في مصر، موجة شديدة من العداء تجاه المعنيين بتغطية المؤسسات الرسمية، وأصدر شريف إسماعيل، رئيس الحكومة، توجيهات إلى الوزراء بتحجيم دور الصحافيين وتحركاتهم داخل أروقة الوزارات، في محاولة لإضفاء صبغة السريّة على ما يجري داخل كل وزارة، للحيلولة دون تسريب معلومات تثير الرأي العام. وبات هناك ما يشبه الجفاء بين الطرفين، لسببين أساسيين، الأول أن وجود شخصيات أمنية وعسكرية ضمن مسؤولي بعض المؤسسات والوزارات تسعى إلى إثبات نفسها ونجاحها في العمل المدني وإحكام سيطرتها على الوضع، ضاعف من القيود المفروضة على عمل الصحافي وتحركاته، نظرا لعقيدة هؤلاء المسؤولين التي لا تعترف بحرية تداول المعلومات بقدر ما تؤمن بسرية المعلومات. والسبب الثاني، أن البعض من الصحافيين يتناقلون موضوعات وأخبارا مثيرة، تكون بعيدة عن صميم عمل الجهة الحكومية بالأساس، فأحيانا تنتشر أخبار، سواء في الصحف الورقية أو على المواقع الإلكترونية، عن مشادات كلامية بين مسؤولين داخل المكاتب تحدث أثناء وجود الصحافي، فينقلها الأخير إلى الجمهور. ورصدت “العرب” وجود تضييق على الصحافيين في تعاملاتهم مع المصادر المعلوماتية داخل جهات حكومية عدة، لكن التضييق الأكبر من نوعه يكون في الجهات أو الوزارات الخدمية التي تشارك في إدارتها شخصيات من جهات أمنية، سواء شرطية أو عسكرية. ففي وزارة التموين التي يديرها محمد مصيلحي، رئيس هيئة الإمداد والتموين بالجيش سابقا، جرى منع جميع مسؤوليها من التواصل مع الصحافيين وحظر تحركهم داخل أروقة الوزارة، على أن تخرج المعلومة فقط من لسان الناطق باسم الوزارة. وتكرر الأمر في وزارة التربية والتعليم (ويوجد فيها 5 لواءات من جهات أمنية متعددة ويتولون مناصب قيادية) وصدرت تكليفات لعناصر الأمن الإداري بالوزارة، بمراقبة تحركات الصحافيين داخل الوزارة، ورصد تعاملاتهم مع المسؤولين، وتم إصدار تعليمات شفهية، بعدم تحدث أي مسؤول مع الصحافيين أو استقبالهم في المكاتب، ومن يخالف ذلك يتم إبعاده عن المنصب. وقال جمال عبدالرحيم، سكرتير نقابة الصحافيين المصريين، إن هناك “دوائر ومؤسسات” تسعى إلى تشويه صورة الصحافي وتتعامل معه على أنه “ضد الأمن القومي” وتحاول تصديره للرأي العام، كما أن العقلية الأمنية التي تدار بها بعض المؤسسات ساعدت على ترسيخ هذه الصورة، باستخدام أسلوب الترهيب لكل من يتعامل مع الصحافي تحت مبرر “نحن في حالة تستدعي الاستقرار وليس البلبلة”. وأضاف لـ”العرب” أنه منذ اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحافيين قبل أشهر للقبض على صحافيين متهمين في قضية تحريض على العنف، شاب نوع من شبه الجفاء بين الصحافي والمسؤول لاعتقاد الأخير بأن الصحافيين أصحاب أزمات ومثيرون للبلبلة، وهذا ما تحاول بعض الأجهزة الأمنية الترويج له وترسيخه عند الناس. وفي المقابل يرى متابعون، أن الصحافيين أنفسهم يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية التضييق الحكومي على عملهم، فالعديد منهم بات يسعى للتركيز فقط على القضايا المثيرة والساخنة لتحقيق نسب عالية من القراءة والمشاهدة، علاوة على تناول قضايا هامشية، واعتماد الكثير من الصحف على محررين ليسوا من ذوي الخبرة في التعامل مع كبار المسؤولين. وقال مسؤول بوزارة التعليم لـ”العرب”، إنه اتخذ قرارا بمنع التعامل مع الصحافيين، بعدما تحدث إلى أحدهم بشكل ودي، فإذا به يُفاجأ في صباح اليوم التالي بأن الصحافي قام بنشر تفاصيل المحادثة، ما تسبب في تعنيفه من جانب الوزير. وأشار مراقبون إلى أن تفشي ظاهرة، اشتراط المصدر المخول بالحديث على الصحافي إرسال الأسئلة إليه مسبقا ليراجعها ثم يجيب عنها “كتابة” وإعادتها إليه، يكشف حجم التشكيك في مصداقية البعض من الصحافيين واهتزاز صورتهم والخوف من تحريفهم للعبارات أو الإجابات. وأكد مكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين المصريين السابق، أن غياب الاحترافية الصحافية، وتراجع الأمانة المهنية، أديا إلى تدنّي ثقة المصادر المعلوماتية في الصحافي، وأصبح هناك تخوف لدى الكثير من المسؤولين من الإدلاء بتصريحات إلا إذا كان يثق في الصحافي بدرجة كبيرة. وأضاف لـ“العرب”، أن إرسال الإجابات مكتوبة يلغي دور الصحافي ويضعف حجته أمام المصادر أو الشخصية صاحبة الحوار، مؤكدا أن الصحافة المصرية أصبحت تعاني انخفاضا ملحوظا في عدد الحوارات الصحافية والتصريحات الخاصة، بسبب الرهبة من تدخل المحرر بقلمه، وبات العديد من المسؤولين يفضلون الحوارات التلفزيونية لأنهم يتعاملون فيها مع الناس دون وسيط صحافي. ومن جهته قال مجدي بدر، أستاذ الصحافة بالمعهد العالي للإعلام بالقاهرة، إن اعتماد المؤسسات الصحافية على محررين لا يتمتعون بحسّ سياسي أو خبرة كافية في التعامل مع المصادر، ضاعف من اهتزاز صورة الصحافيين عموما، وبالتالي أصبح التركيز مُنصبّا على عدد الأخبار وليس مضمونها حتى لو كان ضد المهنية. وأوضح في تصريحات لـ“العرب”، أن عدم تدقيق الأخبار قبل نشرها وكثرة الأنباء التي تنفيها وتكذبها الحكومة كل أسبوع، خلقا حالة من البلبلة والتشويش وضاعفا من تجنب المسؤولين والوزراء التعامل مع الصحافيين عامة. ويتخذ بعض المسؤولين أحيانا من ضعف الأداء الصحافي حجة يستندون عليها لحجب الحقائق عن الجمهور، حفاظا على مناصبهم أو خوفا من محاسبة الرأي العام لهم، وهو ما يقود في النهاية إلى انعدام الشفافية. :: اقرأ أيضاً الحشد الشعبي يستأجر شعبولا الأردن يشرع عقوبات ضد المسيئين على مواقع التواصل الاجتماعي زوكيربرغ يخوض معترك السياسة المدونات تثير إشكالية العلاقة بين الصحافة الورقية والإلكترونية
مشاركة :