هجمات القراصنة، وتأثير الانتخابات، والتجسس وغير ذلك من أنشطة روسيا على الشبكة العالمية رمز لها بقرص كمبيوتر فيه صورة الرئيس الروسي بوتين ( غيتي) تعرضت الدول الديمقراطية الغربية لانتكاسات خطيرة على مدار العام المنتهي •تجاوز ثمن العدوان الروسي في أوكرانيا خسائر الدولار والروبل وتسبب في فرض عزلة كاملة على موسكو •هذا العام تتم روسيا عامين من الركود الاقتصادي..و اتهامات لوزير الاقتصاد أوليوكاييف بقبول رشوة بلغت مليوني دولار موسكو: مايا أوتاراشفيلي على مدار عام 2016 تصدرت روسيا عناوين معظم مواقع الأخبار العالمية. جاءت تلك السمعة السيئة نتيجة للسياسات الخارجية الروسية المثيرة للجدل. إضافة إلى تصرفاتها التي أدت إلى إشعال الحرب في أوكرانيا والتي بدأت في عام 2014، برزت صورة روسيا كطرف معتدٍ نتيجة لتدخلها المتزايد في سوريا، وإلى حد ما بسبب تدخلها في السياسة الأوروبية، وأخيرًا الأميركية. يبدو للعين غير الخبيرة أن روسيا أصبحت قوة عالمية عظمى جديرة بأن توضع في الحسبان؛ يقود الدولة رجل قوي يحظى بمعدلات شعبية مرتفعة تتجاوز 80 في المائة باستمرار. وتستطيع حكومة بوتين أن تضم أراضي دول أخرى إليها على الرغم من رفض بقية دول العالم (القرم)، وتشن هجمات إلكترونية خفية أو غير خفية على دول أخرى (استونيا في عام 2007، الولايات المتحدة في أثناء الانتخابات الرئاسية 2016)، وتخوض حروبا هجينة في الساحة الخلفية لأوروبا (إقليم دونباس في أوكرانيا)، وتنتهك المجال الجوي لمنطقة الناتو (بلدان البلطيق على مدار عام 2016)، وتشن حربا معلوماتية مع العالم الخارجي (الدعاية الإعلامية في الاتحاد الأوروبي وما وراءه)، وتدخل في حرب أكثر تقليدية نيابة عن قادة مولعين بالحرب في مناطق بعيدة عنها (سوريا). ولكن مثل تلك «القوى العظمى» يجب أن تتعامل مع تحديات واسعة النطاق في الخارج وفي الداخل، حيث إن السياسات الخارجية العدائية لا تسلم من التبعات الخطيرة. وقد تعرضت الدول الديمقراطية الغربية لانتكاسات خطيرة على مدار عام 2016، مما يشير إلى أن عام 2017 سوف يكون مليئا بالاضطرابات بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكنه لا يعني أن الأمور ستكون أسهل بالنسبة لروسيا تحت قيادة بوتين في العام المقبل. أوكرانياضحية المغامرات الخارجية الروسية اكتسبت المغامرات الخارجية الروسية زخما جديدا عندما ضمت حكومة الرئيس بوتين شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014. بعد شهور اندلعت الحرب في إقليم دونباس في أوكرانيا. ودخل الانفصاليون بدعم من القوات الروسية في حرب لا تنتهي مع القوات الأوكرانية. ولا يزال ذلك الصراع دون حل حتى الآن. اتضح أن القرم ودونباس أكثر تكلفة على روسيا مما توقع بوتين. فقد أدان المجتمع الدولي إعلان روسيا بضم القرم. وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا، والتي تزامنت مع انخفاض أسعار الطاقة ودفعت الاقتصاد الروسي إلى حالة من الركود. تجاوز ثمن العدوان الروسي في أوكرانيا خسائر الدولار والروبل، إذ تسبب أيضا في فرض عزلة كاملة على روسيا عن الغرب. وفي قمة الناتو التي عقدت في صيف عام 2016، أعلن الحلف أن روسيا هي أكبر تهديد بعد تنظيم داعش. وفي 19 ديسمبر (كانون الأول) 2016، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يعلن أن روسيا قوة محتلة، وأن جمهورية القرم الخاضعة للحكم الذاتي ومدينة سيفاستوبول أراضٍ محتلة. وهكذا أمضت روسيا أكثر من عامين في تمويل القرم (بصفتها أراضيها)، وتسديد تكلفة الحرب في دونباس، وتحمل وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية. وعلى الرغم من مشاركة روسيا في مباحثات مينسك الأولى والثانية لوقف إطلاق النار، فلم يتحقق اتفاق فعلي لوقف إطلاق النار في دونباس، ويظل الوضع حرجا في أوكرانيا. في حين تستمر المؤسسات الدولية والغربية في إدانة التصرفات الروسية في أوكرانيا دون أن يظهر حل في الأفق. ويبدو أنه كما تتعرض أوكرانيا لآثار العدوان الروسي الهائلة سيكون على روسيا أيضا أن تتحمل تبعات تصرفاتها هناك. وبالتالي في عام 2017، سوف تضع حكومة بوتين التخلص من العقوبات الغربية المتعلقة بأوكرانيا على قمة أولوياتها. اقتصاد متعثر من الطبيعي أن تلقي العقوبات آثارا سلبية على روسيا. ولكن كما يدفع كثير من الخبراء، لم يكن لتلك العقوبات تأثير مدمر لو لم تنخفض أسعار الطاقة وتستمر في تدنيها. مع بداية عام 2017، تتم روسيا عامين من الركود الاقتصادي (حيث وصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 إلى سالب 3.7 في المائة، ونحو سالب 0.05 في المائة في عام 2016). وفي حين يظل الخبراء الاقتصاديون في الغرب منقسمين بشأن احتمالات تعافي الاقتصاد الروسي في عام 2017، يبدو من المرجح أن روسيا قد تستطيع بالكاد الخروج من الركود. ولكن أدت الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات الفقر في روسيا. ووفقا لبيانات البنك الدولي، وصل 11.2 في المائة من السكان إلى خط الفقر في عام 2014. وارتفعت النسبة إلى 13.3 في المائة في عام 2015. وفي عام 2016، وُجهت اتهامات لوزير الاقتصاد إليكسي أوليوكاييف بقبول رشوة بلغت مليوني دولار، وتم اعتقاله. ومع أن أوليوكاييف دفع ببراءته، فإن فضيحة الفساد يمكن أن تلحق أضرارا كبيرة بصورة الحكومة. يستوعب بوتين أهمية ذلك التحدي جيدا، وقد بدأ بالفعل في اتخاذ خطوات لتحقيق الاستقرار للاقتصاد الروسي، والأكثر أهمية لتحسين صورة الاقتصاد الروسي في الداخل. في نوفمبر (تشرين الثاني) عين وزيرا جديدا للاقتصاد، وفي خطابه المباشر للشعب أعلن أن الاقتصاد الروسي في طريقه إلى التعافي. ووضع بوتين أيضا بعض الأهداف الطموحة للأعوام المقبلة. في خطابه أمام الجمعية الاتحادية كلف بوتين الحكومة بتحقيق «معدلات نمو للاقتصاد الوطني تفوق المعدلات العالمية في موعد أقصاه عامي 2019-2020». فما هي معدلات النمو المقبولة. وفقا لرئيس الوزراء ميدفيديف، لن يكون معدل النمو الذي يبلغ 1.5 في المائة جيدا بما يكفي. صرح ميدفيديف قائلا: «من أجل تنفيذ تكليف خطاب الرئيس، نحتاج إلى المضي قدما في تغيير بنية الاقتصاد. ويمكننا أن نشهد تلك الخطوة الآن». وهكذا سيكون التخلص من العقوبات الغربية عاملا مهما لتحقيق التعافي الاقتصادي، إلا أنه لن يكون كافيا. يبذل بوتين بالفعل جهوده من أجل تمويل خطة نمو اقتصادي طموحة. في ديسمبر (كانون الأول) عام 2016، أعلن عن عقد صفقات اقتصادية ثنائية مع اليابان بقيمة 2.5 مليار دولار. ويبدو أن بوتين يستغل النزاعات على الأراضي بين روسيا واليابان على جزر كوريل للاستفادة من هذه الصفقة. ولكن هذه مجرد بداية لصفقات ومفاوضات مكثفة سيكون على بوتين القيام بها خلال عام 2017 من أجل تحقيق الاستقرار للاقتصاد الروسي. الوضع في سوريا عندما ظن المجتمع الدولي أن الموقف في سوريا لا يمكن أن يصل إلى ما هو أسوأ، اجتاحت أخبار تراجع حلب وسقوطها ومعها صور الأطفال القتلى والجرحى عناوين وسائل الإعلام في الغرب. أصبحت عقول معظم المشاهدين تربط بين تلك الصور المروعة على وجه التحديد وروسيا، بينما تستمر حكومة بوتين في دعم الأسد وخوض الحرب الأهلية السورية نيابة عنه. في ظل انشغال القادة في الأمم المتحدة في نقاشات ساخنة، يمتد تأثير الحرب السورية الواسع بعيدا عن سوريا. في 19 ديسمبر (كانون الأول) عام 2016، تم اغتيال سفير روسيا لدى تركيا في معرض فني في أنقرة. وقبل أن يلقى المسلح مصرعه على يد قوات الشرطة التركية، صرخ قائلا: «لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا!» لن يشعل ذلك الحادث حربا عالمية، وليس من المرجح حتى أن يتسبب في أي توترات وشيكة بين روسيا وتركيا، ولكنها تلقي باللوم المباشر تماما على روسيا في عيون العالم. وفقا لمعظم توقعات الخبراء، من غير المرجح أن يواجه التدخل الروسي في سوريا تحديا في ظل رئاسة ترامب، ولكن حتى مع احتمالية خروج الولايات المتحدة من طريقها، ماذا سوف تفعل روسيا لحل المشاكل العديدة في سوريا؟ هل ستستمر في محاربة المعارضين حتى تقضي على المعارضة تماما؟ هل ستسدد روسيا ثمن إعادة بناء سوريا التي دمرها الصراع بمجرد انتهاء الحرب الأهلية؟ وبمجرد أن يتم ذلك، كيف ستتعامل مع تنظيم داعش في سوريا؟ إن لعبة روسيا الأخيرة في سوريا غير واضحة. ويعتقد بعض الخبراء أن بوتين يحارب لغرض الحرب، لإبراز صورة القوة والنفوذ في الداخل والخارج بـ«تطويع» وضع في الشرق الأوسط شهد إخفاقات أميركية. بيد أنه في ظل اقتصاد راكد تصبح تلك الحملة الدعائية باهظة للغاية. علاوة على ذلك، حتى دون حزم من الحكومة الأميركية، بدأت الضغوط الدولية على روسيا لإنهاء الحرب في سوريا مؤخرا، ومن المرجح أن تزداد قوة في الشهور المقبلة. فكيف سيتعامل بوتين مع هذه الضغوط الدولية؟ سوف يتضح ذلك في عام 2017. الناتو وتوسع الاتحاد الأوروبي يمثل الناتو والاتحاد الأوروبي رمزين لكراهية بوتين للعالم الغربي؛ هذان التحالفان اللذان يضمان دولا صغيرة وكبيرة متحدة تحت مظلة قيم المساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان وإعادة تعريف فكرة سياسة القوة العظمى. تعارض روسيا توسع كلا الكيانين فعليا منذ تأسيسهما. بيد أن المعارضة الروسية لم توقف أيا منهما. فيما بين عامي 2004 و2013 ضم الاتحاد الأوروبي 13 دولة من وسط وشرق أوروبا داخل حدوده، ويوجد في الوقت الحالي خمس دول ضمن المرشحين للانضمام إليه (ومن بينهم تركيا). في الفترة ذاتها، انضم إلى الناتو تسع دولة من المنطقة نفسها. من المنظور التاريخي، ترى الحكومات الروسية أن الدول الأعضاء في الاتحاد السوفياتي السابق تقع داخل «دائرة نفوذ» روسيا، بالإضافة إلى كونها «منطقة عازلة» بين روسيا وأوروبا. ولكن بالنسبة لتلك الدول من خلال سياساتها الخارجية والوعود بإمكانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، يمكنها الحصول من خلال الاتحاد على فرصة مباشرة للدخول إلى وسط وغرب أوروبا، في عملية «تغريب» تشمل «تقاربا» ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. من جهة أخرى يمنح الناتو سلامة مادية بموجب مادته الخامسة، والسلامة ليست فكرة مجردة لدول مثل أوكرانيا أو جورجيا أو مولدوفيا أو إحدى عشرة دولة شيوعية سابقة أعضاء في الناتو، إذ تعرضت جميع تلك الدول، في مرة أو أكثر خلال تاريخها الحديث، لتهديدات روسية مباشرة لسلامتها المادية. في عام 2016، أقدمت روسيا على بعض الخطوات الخطيرة بهدف التشكيك في شرعية وفاعلية كل من هاتين المؤسستين. وقع خلاف طويل بشأن قابلية تطبيق المادة الخامسة في اتفاقية الناتو (هل الدول الأعضاء في الناتو مثل الولايات المتحدة وألمانيا على استعداد للدخول في حرب مع روسيا بسبب استونيا الصغيرة؟)، وساعد تمويل روسيا ودعمها لحركات الأحزاب القومية اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا على إشعال التشكيك في الوحدة الأوروبية والخوف من الأجانب داخل الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، عزز الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا في 2016 على الخروج من الاتحاد الأوروبي من الخطاب الذي تدعمه روسيا لتصوير الاتحاد الأوروبي كمشروع فاشل. ولكن رد كل من الناتو والاتحاد الأوروبي على ذلك؛ ففي قمة الناتو التي عقدت في وارسو في 2016، اتفق الأعضاء الأساسيون على تقديم ونشر أربع فرق متعددة الجنسيات إلى ثلاث دول في منطقة البلطيق وبولندا. وتولت الولايات المتحدة قيادة الفرقة التي تقرر نشرها في بولندا، وألمانيا في ليتوانيا، وكندا في لاتفيا، وبريطانيا في استونيا. أوقف ذلك التكهنات حول درجة التزام الناتو بالمادة الخامسة، على الأقل حتى الآن. في الحقيقة أعرب رئيس أميركا المقبل عن تشككه علنا في أهمية الناتو، ولكن حتى إذا كانت رئاسة ترامب تعني زعزعة استقرار الناتو، فليس من المرجح أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها أو حتى في خلال عام. في الوقت الحالي، يُظهر الناتو عزمه على حماية حدوده وحلفائه المجاورين لروسيا. وفي الوقت الحالي يستعد الاتحاد الأوروبي لمنح نظام التأشيرة الحرة لكل من جورجيا وأوكرانيا، في خطوة تعد مهمة تجاه الحصول على عضوية كاملة في الاتحاد يوما ما. وتأتي هذه الأخبار لتغيير قواعد اللعبة لهاتين الدولتين اللتين تسعى روسيا فيهما بقوة مؤخرا لبث مشاعر معادية للغرب عبر دعايتها الإعلامية المؤثرة. وكما كشفت دراسات حديثة، لا يزال الجورجيون والأوكرانيون متمسكين بتوجهاتهم الموالية للاتحاد الأوروبي. وهكذا على الرغم من جميع الانتكاسات التي تعرض لها الناتو والاتحاد الأوروبي في عام 2016، من المرجح أن يستمر الكيانان في تحدي طموحات بوتين في إعادة ترسيخ الهيمنة الروسية على وسط وشرق أوروبا. إعادة انتخاب بوتين وأخيرا، سوف يكون تركيز بوتين الأكبر على الحفاظ على معدلات شعبيته المرتفعة حاليا في روسيا. سوف يكون ذلك مهما لضمان إعادة انتخابه رئيسا في مارس (آذار) عام 2018. وبالضرورة يجب أن يتأكد من نجاحه في التعامل مع التحديات الأربعة المذكورة من: 1- إن الروس سيستمرون في التصديق في عظمة بوتين وتفوق روسيا على الساحة العالمية. 2- إن الحكومة الروسية ستمتلك الأموال الكافية للاستمرار في سداد تكاليف المغامرات الباهظة في الخارج وأيضا دفع الرواتب والمعاشات من أجل تجنب اتخاذ إجراءات تقشفية عميقة (مثل تلك التي قد تثير استياء شعبيا بل وتؤدي إلى قيام انتفاضات. سوف تتطلب إعادة انتخاب بوتين أيضا عدم مشاركة مرشحين آخرين يمكن أن ينجحوا في الانتخابات. في اللحظة الراهنة لا يوجد أي منافس جاد، ولكن يعتمد الكثير على النجاح الذي ستحققه حكومة بوتين في عام 2017 إذا أراد المحافظة على الوضع الراهن في الداخل.
مشاركة :