أكثر من سبعين فنانا وفنانة من مختلف المدارس والاتجاهات يشاركون في المعرض، ومجسم يحاكي مأساة الكرادة يؤرخ بالشمع تلك الواقعة المؤلمة بطريقة مبتكرة وبارعة. العربوارد بدر السالم [نُشرفي2017/01/08، العدد: 10506، ص(15)] بمناسبة اعتبار بغداد ضمن شبكة المدن الإبداعية التي أقرّتها اليونسكو مؤخراً أقامت دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة معرضاً فنياً شاملاً شارك فيه أكثر من سبعين فنانا وفنانة من مختلف المدارس والاتجاهات والأساليب والرؤى والتقنيات الفنية في مشهد فني واسع الملامح والرؤى الجمالية المتعددة رسماً ونحتاً وخزفاً، مما شكّل تظاهرة فنية قوية الملامح في ظرف صعب تمر به البلاد وتحت سقف سياسي غير مشجّع لأن يكون الفن أحد عوامل الجمال في الحياة. بحسابات ليست فنية كانت هذه التظاهرة الكبيرة تجسيداً لفكرة الانتماء لوطن واحد بتعدّدية مواهبه وأسمائه اللامعة وابتكاراته اللافتة للنّظر مجسّدة إطاراً كلياً لكبرياء إبداعي لم تستطع السياسة أن تشوّه وجهه الكبير ذا التاريخ المعروف على مرّ الحقب وتعاقب الأجيال، فالفنّ العراقي كما هو معروف يشغل مساحة عربية إبداعية واسعة في معطياته المتعددة كتاريخ ذي سجلّ فني لا يُختلف عليه، وهو ما تجدر الإشارة إليه بالحسابات الفنية ونحن أمام مشهد استعراضي اختلفت مدارسه وتقنياته الإبداعية بين الواقعية والرمزية والتجريدية والمفاهيمية في مشهديّتها الجديدة التي اكتشفت العلاقة الوثيقة بين فنّ الرسم والفنون الأخرى. تشكيل ونحت وبحث في الجمال لمواجهة القبح فنانون روّاد وما بعدهم وأجيال جديدة تتضامن لخلق وحدة فنية تتكامل إلى حدّ جيّد في الرؤى لجماعات فنية متعددة الأساليب انتظمت في معرض شامل لتمثل الفن العراقي المعاصر بجيلية أسمائها التي قدمت الكثير من العطاءات على مستويات الابتكارات الفنية والخلق الإبداعي المتواصل، ففي الرسم شارك الفنانون أنترانيك أوهانسيان وحيدر خالد ورياض هاشم وسلام عطا وستار لقمان وشداد عبدالقهار وشاكر خالد وقاسم العزاوي وقاسم سبتي وفاخر محمد وحسين الركابي وسلمان محمد وعشرات آخرون، في حين اشترك فنانو النحت والخزاف والسيراميك بمجسمات ومنحوتات كثيرة أبرزهم أمير حنون ومرتضى حداد وجاسم كاظم وسميرة حبيب ومناهل حميد وعلي الهاشمي وعبدالجبار البناء ووئام أحمد ونادية فليح التي قدّمت واحداً من المجسمات المتقنة فكرةً وتنفيذاً وهي تحاكي مأساة “الكرادة” التي راح ضحيتها العشرات من العراقيين المدنيين في التفجير المعروف الذي طال أسواق المدينة، وبنت فكرتها بمجسّد شمعي حفرت رأسه شمعة مشتعلة على مدار الوقت وغطّى جسم المجسّد وهو لرجل ذوبان الشمع في حركية مستمرة تفصح عن استمرار الاحتراق البشع الذي حوّل الأجساد إلى كتلة ذائبة بسبب الاحتراق الذي استعمل فيه الدواعش مواد كيميائية حارقة. وهذا المجسّم الشمعي الحي هو أحد تقنيات الفن المفاهيمي الذي يتخلّص من تبعات المناهج التقليدية في العمل النحتي ليكون في جوهر التعبير عن الحدث الاجتماعي ويرتقي إلى مستواه ويجسّده بطريقة بارعة، فالكتلة الشمعية التي استعملت في هذا العمل توازي الحركة الجسدية للإنسان في تأثرها المباشر بالنار من حيث هي مؤثر خارجي تخلق فعلاً خارقاً وهو ما حدث في مأساة الكرادة التي ذابت فيها الأجساد البشرية، فعادت الفنانة نادية فليح لتؤرخ بالشمع تلك الواقعة المؤلمة بطريقة مبتكرة وبارعة فيها من التقنية ما يجعلها في حركية مستمرة وكأن الفعل الدرامي ما يزال مستمراً بطريقته القاسية. “النّصر والفنّ” هو الشّعار الذي حمله المعرض للفنّ العراقي المعاصر في محاولة جدية لتأكيد تضامن الفنانين تحت سقف وطني موحّد لا تفرّقه السياسة بنوازعها المعروفة وأهدافها الملعونة؛ من أجل ترسيخ قيم فنية راسخة لمواجهة الخراب الضارب في المجتمع. كاتب من العراق :: اقرأ أيضاً تشارلز سيميك: نحن في عصر الجنون العاشق المثلي جلادا وضحية.. محمد عبدالنبي في غرفة العنكبوت الدجاجات تنادي فراخها والكلاب تخشخش أصفادها أكي كوريسماكي عبقري السينما الفنلندية
مشاركة :