"بغداد تقرأ" في معرض بغداد الدولي للكتاب بقلم: وارد بدر السالم

  • 3/27/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بغداد تقرأ في معرض بغداد الدولي للكتابفي رسالة مفادُها أن الحربَ والإرهابَ لم يمنعا العراق من أن يكون في صدارةِ المشتغلين والمحتفلين بالثقافة، انطلقت فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب الذي افتتح أبوابه في العاصمة العراقية، يوم 22 مارس الجاري، ولكن الكثير من تفاصيل المعرض أثارت جدلا لدى المثقفين العراقيين.العرب وارد بدر السالم [نُشر في 2017/03/27، العدد: 10584، ص(14)]حضور عربي محتشم "بغداد تقرأ" الشعار الرئيسي لمعرض بغداد الدولي للكتاب في نسخته الربيعية لهذا العام مع الكثير من العناوين الثقافية والعلمية والأدبية والفنية والدينية في خلطة كنا نأمل أن تكون فاعلة في ملء الفراغ الثقافي وربما المعرفي الذي تعاني منه بغداد نظراً إلى ظروفها المعروفة. وحينما تقرأ بغداد يعني أن تُضاف إليها جرعات غير محدودة من الكتب الفكرية والفلسفية والأدبية وفتح نوافذ المعرفة على اتساعها، وإزالة الحظر على الكتاب العراقي الذي يعاني منه بالرغم من مرور 14 عاماً على تغيير النظام السياسي. لكن الثقافة العراقية لا تزال تحت طائلة الحصار لا سيما الكتاب العراقي الذي لا يُسمح له بأن يغادر بغداد، وهذه فقرة مهمة لم نجد لها صدىً في البرنامج الثقافي المصاحِب ليوميات المعرض ولم تستطع وزارة الثقافة، ولا المنظمات الأدبية بعناوينها المتعددة، أن تتحقق من هذا الالتباس الذي لا يزال يحد من حرية الكتاب العراقي ويمنع خروجه عبر الحدود. مشاركات خجولة ربيع الكتاب العربي في نسخة بغداد الحالية لم يكن بالمستوى المثالي لعاصمة وُصفت منذ عقود بأنها “قارئة” وهاضمة للمعرفة والثقافة، مع أن الإقبال على المعرض متوسط وربما أكثر من هذا السقف بقليل بسبب اتساع بغداد ووجود حواجز أمنية متعددة في الطرقات والمناطق تحدّ من الإقبال الكبير كما درجت العادة قبل أربعة عشر عاماً. وعليه فهذا الأمر الشائك الذي لا يريد أن ينتهي لا يعني أن يكون حاجزَ قطيعة بين التلقي البغدادي والناشر العربي المتلكئ في العادة لزيارة بغداد تحت طائلة حسابات أمنية وتجارية ربحية. شعارٌ فرعي آخر للمعرض جاذب وله أكثر من معنى هو “الكتاب ضد الإرهاب” يفتح صفحة تعبوية جماهيرية مطلوبة في هذا الوقت لرصد التحولات الفكرية والمعرفية لدى فئات شعبية كثيرة تنازعتها السياسة والطائفية من كل جانب.بغياب دور النشر العربية الكبرى جاءت مشاركات دور النشر الأخرى قليلة قياسا بحجم سمعة المعرض وتاريخه وقِدمه بغياب دور النشر العربية الكبرى جاءت مشاركات دور النشر الأخرى قليلة قياساً بحجم سمعة المعرض وتاريخه وقِدمه، وبجردة سريعة نقول إن المشاركة المصرية في هذه الدورة هي الأكبر حجماً وعدداً، إذ بلغت دور النشر المشاركة 34 دار نشر، وهو عدد كبير قياساً بدور النشر العربية الأخرى المشاركة، يليها لبنان المشارِك بـ24 دار نشر ثم سوريا بـ12، ثم الأردن بثلاث دور نشر، وسجلت ليبيا والكويت مشاركة واحدة لكل منهما، كما هو شأن مشاركة إيطاليا ولندن وإيران. أما البقية فكانت دور نشر ومكتبات عراقية تقاسمت المعرض مع شقيقاتها العربيات ليبلغ العدد الإجمالي لكل الدور المشاركة 118 دار نشر ومكتبة. أما مشاركة وزارة الثقافة والسياحة فهي مشاركة خجولة، ويبدو أنها هامشية إذا نظرنا إلى أنها لا علاقة لها بالمعرض، فقد تم استبعادها منذ عام 2003 ليتحول المعرض بيد تجار الكتب والأحزاب واتحاد ناشرين، وبالتالي سار على هوى إدارة متعثرة لا علاقة لها بالثقافة كفعلٍ اجتماعي حقيقي، كما فشلت في اجتذاب الناشرين للمرة الرابعة عشرة على التوالي وتكاد تكون هذه الدورة هي الأضعف بين الدورات الماضية، فإعلامها ضعيف لا سيما العربي منه والمشاركات الكتبية غير فاعلة لا جديد فيها، فحينما ننظر إلى شارع المتنبي -وهو شارع الثقافة العريق في بغداد- نجد تقريبا 90 بالمئة من المعروضات في المعرض متوفرة في هذا الشارع بطريقة الاستنساخ سيئة الصيت ولا توجد إلا القلة القليلة الجديدة. أنشطة منقوصة شاركت وزارة الثقافة بجناحين أحدهما لدار الشؤون الثقافية وهي الدار الكبرى للنشر في العراق سابقاً لكنها تحولت إلى “بسطة” كتب لا روح فيها، وحاولت إدارة العلاقات العامة في الوزارة أن تنصب لها خيمة خارج قاعة المعرض تحت تسمية “المكتبة الجوالة” في محاولة منها لإبراز نشاطاتها الكتبية والثقافية عبر برنامج كان يمكن أن يكون ذا فائدة نسبية كتوقيع الكتب الحديثة لمؤلفين عراقيين وهم محمود النجار وصادق الجمل ووارد بدر السالم، وإطلاق المرسم الحر للأطفال بورشة لتعليم الرسم وندوة ثقافية للروائي زهير الجزائري. أما البرنامج الثقافي المصاحب ليوميات المعرض فيبدو أن القائمين عليه مقطوعو الصلة بالوسط الثقافي والأدبي العراقي أو لا يعرفون منابع التأثير الثقافي الفاعل في مناسبات كهذه، ولا يدركون حجم بعض الأسماء الأدبية التي يمكن أن تثري المعرض بحضورها وأدبياتها المشهود لها، مثلما لم يعيروا أهمية تُذكر للفاعل الثقافي العربي إذ لم نجد ولو دعوة واحدة لأي مثقف عربي أو أجنبي واقتصر الأمر على عراقية المشهد كاملاً وهو مشهد ليس متكاملاً في الأحوال كلها، وحتى البرنامج الثقافي لم يستوعب هموم النشر المحلية ولا إصداراتها المتعددة في مشارب الثقافة الواسعة، فالأمسية الشعرية في اليوم الأول كانت لشعراء لم يسمع بهم أحد، والندوات التي أعدّت كان ينقصها الكثير من التفاعل مثلما ينقصها جمهور نوعي وإعداد خاص لتكون بمستوى عناوينها كالشخصية العراقية بقراءة جديدة ورواد المدرسة التاريخية المعاصرة وإشكالية المثقف والسلطة واليونسكو وحفظ التراث العراقي وأزمة الكتاب. الغريب أن البرنامج الثقافي للمعرض لم يتطرق لا من بعيد ولا من قريب إلى شيوع وانتشار الرواية العراقية التي ذهبت إلى محافل عربية وأجنبية وحازت جوائزَ متقدمة، وبوصفها ظاهرة أدبية عريضة لفتت الأنظار إليها في العقد الأخير. مثلما لم تحتفِ إدارة المعرض بمكتبة سطور كونها أول دار نشر عراقية تحقق فوزاً لامعاً في مسابقة جائزة البوكر للرواية العربية بوصول روايتين من إصداراتها، إحداها للقائمة الطويلة والثانية للقائمة القصيرة التي نأمل ترشيحها للجائزة الأولى، بل عمدت الإدارة إلى الضغط على دار نشر سطور بطريقة معينة أدت إلى انسحاب الأخيرة من المعرض. الجمهور العراقي أثبت أنه ذكي ويمكن التعويل على الشباب الناهضين منه في رسم المستقبل الثقافي العراقي، فعلى قلة دور النشر الدينية المشاركة يمكن القول إن هناك عزوفاً عن اقتناء الكتاب الديني الممنهج أو الطائفي، بل صار الإقبال على الكتب التنويرية التي تحارب التطرف، لتفتح العقول والبصائر.

مشاركة :