الصحافة اللبنانية لم تمت بعد ـ

  • 1/9/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن الفصل بين ازمة الصحافة اللبنانية وأزمة لبنان بكلّ ابعادها، مع التشديد مجدّدا على ان هناك حالتين خاصتين تختلف كلّ منهما عن الأخرى هما حالة "النهار" وحالة "السفير". الاختلاف بين الحالتين لا يعني عدم وجود نقاط التقاء بينهما. من بين نقاط الالتقاء الفشل في قيام مؤسسة غير مرتبطة بالاشخاص. فشلت "النهار" لانّ هناك جهة معروفة اغتالت جبران تويني. كان جبران تويني شخصا يمتلك ما يكفي من العلاقات لابقاء "النهار" عائمة. من اغتاله عرف تماما ما الذي يفعله، لا لشيء سوى لانّ الهدف كان التخلص من الجريدة، القائمة على شخص، والتي دخلت منذ غياب جبران غسّان تويني مرحلة الموت البطيء. اما "السفير" فقد توقّفت لان صاحبها الأستاذ طلال سلمان وصل الى مرحلة وجد نفسه فيها وحيدا وبات مضطرا الى سد العجز من ماله الخاص، خصوصا بعد شحّ المورد الإعلاني وغير الإعلاني. استطاع الأستاذ غسّان تويني في مرحلة ما بعد اغتيال نجله جبران إبقاء "النهار" على قيد الحياة، لكنّ كلّ وضع الجريدة راح يتراجع سريعا منذ وفاته في الثامن حزيران ـ يونيو 2012. بقي غسان تويني حتّى اليوم الأخير من حياته يقاتل من اجل "النهار" التي أسسها والده والتي عرف كيف يجعل منها في مرحلة معيّنة، خصوصا بعد اغتيال الشخصية الاستثنائية التي اسمها كامل مروه في ايّار ـ مايو من العام 1966، الجريدة الاهمّ في العالم العربي. لم تكن صحف بيروت في خمسينات وستينات وسبعينات، وحتّى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي صحفا لبنانية. كانت أيضا صحفا عربية ذات اجندات خاصة بكلّ منها. كان طبيعيا افول نجمها مع بدء افول نجم بيروت في العام 2005 اثر اغتيال رفيق الحريري الذي أعاد بناء المدينة كما أعاد الحياة لبنان وأعاد وضع لبنان على خريطة المنطقة والعالم. فمنذ اغتيال رفيق الحريري، هناك عملية خنق مستمرّة لبيروت يظلّ افضل تعبير عنها الهجمات المتتالية التي تتعرّض لها المدينة من اجل ترييفها ومنعها من التطوّر وذلك في ظلّ ازمة اقتصادية لا سابق لها في لبنان. هل من يريد ان يتذكّر الاعتصام في وسط المدينة بعد حرب صيف العام 2006 ثمّ الغزوة التي استهدفتها في السابع من ايّار ـ مايو 2008؟ ليس سرّا ان الصحف الكبيرة في العالم مرتبطة بمدن معيّنة. "نيويورك تايمز" مرتبطة بنيويورك و"واشنطن بوست" مرتبطة بواشنطن. جريدة "لوموند" مرتبطة بباريس، "التايمز" بلندن... علما ان المدن الكبرى تتسع، كلّ منها، لاكثر من صحيفة ناجحة، خصوصا عندما تكون هناك موازنات إعلانية كبيرة متوافرة. كلّما ازدهرت المدينة الكبيرة، زاد ازدهار الصحف فيها. تعكس الصحف في نهاية المطاف الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة ومدى تأثيرها على محيطها. لا يمكن عزل ازمة الصحافة اللبنانية لا عن صعود المواقع الاكترونية ولا عن تقلص حجم الموازنات الاعلانية ولا عن غياب المال السياسي العربي، فيما لا يزال المال الايراني موجودا بطريقة او باخرى. لكنّ لا بدّ من الاعتراف أيضا ان هناك ازمة خاصة بكلّ جريدة تصدر من بيروت او توقّفت عن الصدور. لا حاجة بالطبع الى الدخول في التفاصيل التي تعني أشخاصا معيّنين وحالتين خاصتين. لا بدّ من التفكير في انّ بيروت لم تمت بعد. وهذا يعني في طبيعة الحال ان ازمة "النهار" وتوقف "السفير" لا تعنيان في الضرورة نهاية الصحافة اللبنانية... اللهمّ الّا اذا كان الهدف من كلّ ما تعرّض له لبنان وبيروت بالذات عبر "حزب الله" يستهدف القضاء على الصحافة أيضا. قد يكون هناك مكان لمشاريع صحافية انطلاقا من بيروت شرط ان تتسم هذه المشاريع بحد ادنى من الواقعية، أي ان تأخذ في الاعتبار ان ثمّة حاجة الى تجارب جديدة لشباب يمتلكون القدرة على الجمع بين الماضي والمستقبل. يمكن لهذه التجربة ان تكون بتمويل من اصحاب عقول ورأسماليين اذكياء ومستنيرين من أبناء لبنان، لديهم اجندة لبنانية قبل ايّ شيء آخر. فمن من بين ما تعاني منه "النهار" غياب التفكير الذي يستطيع التخطيط لجريدة من نوع جديد يمكن ان تجلب استثمارا لرأسمال لبناني فيها. هذه العقلية قتلها من قتل جبران تويني الذي كانت انطلاقته الكبرى من "نهار الشباب". من يتذكّر تلك التجربة المتميّزة التي كانت اقرب الى مغامرة اكثر من ايّ شيء آخر؟ لم تمت الصحافة اللبنانية بعد. ما مات هو نمط معيّن من الصحف لم يحسن القيمون عليها مدّ جسور مع المستقبل لا اكثر ولا اقلّ. ليس طبيعيا ان تتقوقع الصحف اللبنانية بمجملها على نفسها وان لا يوجد فيها اشخاص يمتلكون حدّا ادنى من المخيلة والمعرفة بلبنان والعالم العربي. ليس طبيعيا ان يكون فيها اشخاص ما زالوا يكتبون الموضوع ذاته منذ عشرين او ثلاثين سنة، حتّى لا نقول اكثر. هل من يتجرّأ على خوض مغامرة صحافية جديدة انطلاقا من بيروت وان بإمكانات متواضعة؟ ما قد يكون اهمّ من ذلك سؤال في غاية البساطة: هل لا يزال مسموحا صدور صحيفة عربية حقيقية من بيروت؟ خيرالله خيرالله

مشاركة :