تقول الأسطورة اليونانية القديمة "إن الإغريق حاصروا مدينة طروادة لأكثر من 10 سنوات دون جدوى، بسبب الحصون والقلاع القوية المحيطة بالمدينة، وبعد دراسة عادات وتقاليد المجتمع الطروادي، وجد الإغريق أن الحصان عندهم يمثل رمزا دينيا مقدسا، فصنعوا حصانا خشبيا ضخما أجوف، بناه إبيوس وملأه بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس، أما باقي الجيش فظهر كأنه رحل، بينما في الواقع كان يختبئ وراء تيندوس.. في البداية شك الناس في ذلك الحصان وفجأة ظهرت حيتان كبيرة من البحر أمسكت بكاهن المدينة وابنه، فاعتبر الطرواديون أن تلك الحادثة كانت علامة لاستياء الآلهة، فأدخلوا الحصان إلى المدينة، ففتح المحاربون الإغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، وقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد". الأسطورة السابقة تنطبق على وجه من الوجوه على المنظمات الإرهابية التي تستغل البنية الثقافية للمجتمعات الإسلامية، التي تقوم على أساس المعرفة التقليدية والقديمة للدين، فلا تدرك مثل هذه المجتمعات معنى التسامح ولا مفاهيم من قبيل حقوق الإنسان والتعددية والحرية، وهذا الأمر يعد من منابع العنف والإرهاب، وهذا هو السر أيضا في كسب الجماعات المسلحة المزيد من الدعم والأتباع، وخاصة من جيل الشباب، والمنظمات الإرهابية تستخدم الدين وسيلة لتمرير أجنداتها وتحقيق أهدافها السياسية، عن طريق استغلال الأغبياء والسذج مثل المجتمع الطروادي الذي أصبح فريسة سهلة للغزاة بسبب الخديعة المقدسة. مضى أسبوعان تقريبا على الاعتداء الإرهابي في إسطنبول، والذي خلف أكثر من 40 قتيلا وعشرات الجرحى، فالواضح أن الهدف من هذا الاعتداء الإرهابي هو ضرب السياحة في تركيا، ومن ثم التأثير على الاقتصاد التركي، والمجرمون استغلوا الاحتفال بليلة رأس السنة بالذات، باعتبار تلك الليلة من أعياد الكفّار التي لا يجوز للمسلم المشاركة فيها، كما يحصل في مثل هذه الاحتفالات كثير من المنكرات، كالحفلات الراقصة، والأغاني الماجنة، والاختلاطات المشبوهة، ويقول بعض رجال الدين "لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم، لا لحما، ولا أدما، ولا ثوبا، ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم، لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم"! وربما تكون هذه الفتاوى ملائمة للعصر الذي ظهرت فيه، لكنها لا يمكن أن تلائم هذا العصر المختلف الذي نعيش فيه، لذا لا يستبعد أن الذين يقفون وراء جريمة إسطنبول قد استغلوا مثل تلك الفتاوى التي تحرّم الاحتفال برأس السنة الميلادية، وقاموا بغسل دماغ ذلك المجرم الذي نفذ تلك العملية الإرهابية الشنيعة، فيكون الهدف الرئيسي هو ضرب الاقتصاد التركي، بينما يعتقد بعض الأغبياء أن الهدف هو إنكار المنكر ونصرة الدين، خاصة أن الضحايا في نظرهم قد تشبهوا بالكفار. استمر الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي حول هذه الحادثة، حيث وجد البعض للأسف الشديد فرصة للتشفي بالقتلى وحتى الترحيب بمقتلهم، لأنهم كانوا في ملهى ليلي، والاحتفال بمناسبة لا تخص المسلمين، فبدلا من إدانة العمل الإجرامي الإرهابي، أدانوا الضحايا أنفسهم! وهذا يؤكد صحة استغلال المنظمات الإرهابية للفتاوى والتفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية في تجنيد الشباب، وكسب المزيد من الأتباع، وتبرير عملياتها الإجرامية. عندما تقوم المنظمات الإرهابية باغتيال الشخصيات السياسية في بلد ما فإن الهدف الرئيسي من ذلك هو ضرب العلاقات الدبلوماسية بين بلدين، والهدف المعلن للمغرر بهم أو للمتعاطفين معهم هو الانتقام لشهداء المسلمين، وعند استهداف مساجد أو معابد لطائفة ما، فإن الهدف الرئيسي يكون ضرب الأمن وإحداث فتنة داخلية، والهدف الظاهر للأغبياء والسذج هو محاربة البدع والشركيات والمنكرات التي تخالف الدين! وعند استهداف بعض الدول الأوروبية يكون الهدف هو تغيير المواقف الدولية والدبلوماسية تجاه بعض القضايا العربية والإسلامية، بينما عند المخدوعين والمغفلين يكون الهدف الانتصار والانتقام للإسلام والمسلمين أو قتل الكفار والمشركين، فإذا كانت قصة حصان طروادة مجرّد أسطورة قديمة إلا أنها لا تزال حية وتتكرر كل يوم في واقع المجتمعات الإسلامية للأسف الشديد. مشكلة المجتمعات الإسلامية أنها تتحرك في مقابل السياسة بحالة التعبد والانقياد والتسليم والتقليد، وهذا يؤدي إلى هدم الدين والسياسة معا، وهذه الحالة تكون فقط في المجتمعات والأقوام البدائية، والتي راح ضحيتها مجتمع مدينة طروادة بعد أن تم خداعها بخلط الدين مع السياسة، وهذا ما تفعله المنظمات الإرهابية اليوم، بهدف التوصل إلى تحقيق أهداف سياسية بحتة، من خلال تحريف الحقائق واستغلال الدين، ولهذا فإن الخطاب الديني مطالب برفع لواء حقوق الإنسان والتحرك بهذا الاتجاه، فمسألة حقوق الإنسان تمثل حقوق الناس فيما بينهم، لا حقوق الناس في مقابل الله عزّ وجل، وفي هذه الحالة تستطيع المجتمعات الإسلامية فهم القضايا السياسية بعقلانية أكثر، فالمطالبة بالتعبد والتسليم والانصياع من الناس في مجال السياسة تتنافى مع حضور الدين في فضاء المجتمعات المدنية الحديثة، وبهذه الطريقة يمكن القضاء على المنظمات الإرهابية، فلن تجد الاتباع والمجندين، ولن تجد حصان طروادة، وحينها لن تستطيع استغلال العاطفة الدينية في المجتمعات الإسلامية.
مشاركة :