صراع الحضارات حسين صالح أحب أن أحيطكم علما بأني لم آكل دجاجا منذ قرابة الأسبوع. والسبب أني صرت أتهيب من الدجاج وأحترمه ولا أجرؤ حتى على مخاطبته فضلا عن أكله. ولأفسر هذا التحوّل الخطير: على صفحات هذه الصحيفة التي بين أيديكم وقبل خمسة أيام كان هناك خبر في نفس هذه الصفحة، الأخيرة، يقول إن هناك دراسة حديثة تؤكد أن الدجاجات ذوات عقول، وأنهن يفهمن الرياضيات ويسعين لإقامة مجتمع فاضل متحضر. وأنا لا أتجرّأ على مخاطبة علماء الرياضيات. لا يمكن أن أتخيّل أني آكل نيوتن أو أينشتاين أو ستيفن هوكنغ. وما يقولونه عن الدجاج في التقرير يجعلني لا أجرؤ على مخاطبة الدجاجة، ناهيك عن أكلها. لا ننس أن التقرير يتحدث عن الدجاجة دون غيرها. المخلوقة التي تتلفت طول عمرها ولا يركز رأسها ولو لثوان. نفس المخلوقة التي لا تستطيع أن تركض في خط مستقيم ولو لخطوات، بل تجري عشوائيا وفي كل الاتجاهات، مما يغري الأطفال بالجري خلفها وهي تركض وتقوق وتحاول أن تطير ولا تقدر. دماغها لا يستوعب فكرة أنها لا تطير. جربت الطيران منذ طفولتها وللمئات من المرات، وما زالت “عبقرية الرياضيات” هذه لم تفهم. العلم له رهبة، والمعرفة كذلك وأنا أول من تصيبه رهبة من المعرفة وحتى من الحجم والوزن؛ أذكر أني اشتريت بطيخة كبيرة في القاهرة ذات صيف، كان وزنها نحو عشرة كيلوغرامات، وكانت لها هيبة، وسّعت لها مكانا في الثلاجة ورفعت أحد الرفوف من أجل إقامتها. لكن البطيخة ظلت في الثلاجة أياما وأنا أهابها ولا أقربها، وأخاف منها ولا أجرؤ على أن أطعنها بسكين وأشقها وأستخرج أحشاءها وآكلها. هكذا، لا يمرّ عام أو بضعة أشهر دون أن تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام بنبأ عن اكتشاف الذكاوة والرقي والتقدّم لدى هذه الكائنات أم تلك؛ القنفذ يؤلف قطعا موسيقية، والجرذ موهوب في لعب البوكر، والذباب حاذق في قراءة الطالع. وبما أن هذه الكائنات متحضرة، فإن لها مشكلات وجودية. وأنا أشغل نفسي وأتفاعل مع مشكلات الآخرين وهمومهم، وبهذا يضاف إلى مشكلات البشر مشكلات الضفادع والذباب والدبابير وكل أبناء الحضارات الراقية، وما أكثرها. لكن المشكلة الحقيقية تصيب الموارد الغذائية؛ التقرير عن الدجاج سدّ شهيتي للدجاج، وقبلها لم تعد الإنسانية تأكل الحوت لما يقال عن ذكائه ورقته. رغم أني لم أشهد في حياتي حوتا يقول شعرا أو يؤلف سوناتا أو يجيب عن أبسط سؤال في الحساب. فتأملوا ماذا ستكون عليه أحوالنا الغذائية إذا ثبت أن الخروف حساس وباني حضارة والبقرة مثقفة، ماذا سنأكل؟ وهناك مزاعم تتردّد عن أن النمل عنده مجتمع متميّز ومعقد، وكذلك النحل، ويمكن الذباب أيضا. فقط أريد أن أسأل من يرى مجتمع النمل متميّزا: هل ترى أن المجتمع الفاضل يقوم على أن يحمل أفراده قطعا من الطعام ويصطدم أحدهم بالآخر كما يفعل النمل. وهل عندما تهاجم الدبابير الذباب فهذا صراع حضارات؟ سراب/12
مشاركة :