طيف الكتابة الجميل

  • 1/10/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كما يتسلل شعاع من النور عبر الثقوب ليُنير درباً استبدَّ به الظلام، تسللت الكلمات إلى عالمي لتُنير جوانب روحي المظلمة، وتزيح لي الستار عن كل ما أجهله، كَوليد يبحث عن نور يحبه ويهابه كنت أنا، فتحت عيني لأجدني أتماهى مع الكلمات، فأُبصر بها كل شيء حتى نفسي التي كنت لا أعرف ماهيتها. في كل مرة أكتب، تفاجئني الحروف بأنها تعرفني أكثر مما أعرف نفسي، فكلما ظننتني قبضت على ما أريد من الكلمات، أجدها انزلقت من بين أناملي؛ لتتبعثر حروفها فتتشكل كلمات أخرى هي كل ما أريد. بالكلمات أخلق عوالم أخرى وشخوصاً يشاركونني الحياة، منهم من يحنو عليَّ، حين أحزن يربت على قلبي ويقول لي لست وحدك، هناك من يكترث لك وحين أفرح يعانقني وينشد معي نشيد الفرح، ومنهم من يرسلني إلى قاع الجحيم. في حياة لم تدعْ سبباً للخوف إلا وابتلتني به، كانت الكتابة مِعْولي لهدم كل ما يخيفني وعالمي الموازي الذي قبضت فيه على كل أحلامي، وفعلت ما كنت أظنني لن أفعله أبداً، فيه تمردت، كسرت القيود، سألت عن كل شيء، سافرت عبر الأزمنة لأتحاور مع من أريد، طفت العالم لأطعم الجياع، أدثِّر المشرَّدين وأربت على قلوب الموجوعين. بالكتابة رسمت سماءً تتسع للنوارس وأرضاً تحتمل بياض الياسمين، وفراشات لا يقتلها الضوء، أوطاناً ترتوي بضحكات عشاقها لا بدمائهم، وجنوداً يحملون أغصان زيتون، بالكتابة صرخت، غنيت، لامست يدي السماء ورقصتُ الفالس مع النجوم، صعدتَُ الجبال، عشت في الوديان، عانقت شعاع شمس هارباً وباغَت ورقة شجر يابسة بحبات المطر فلم تغادر غصنها كما غادرني الأحبَّة. للكتابة فعل الحياة، بها أمارس الفعل وضده دون تناقض، فبها أمارس جنوني، وبها أكون أكثر العاقلين. أستتر بها حيناً وأحياناً تعريني حتى أمام نفسي، بها أرتِّق جرحي وبها أضع الملح عليه، أتطهر بها حيناً وأحياناً أحملها كخطيئة، هي سعادتي ووجعي اللذيذ. سأظل أكتب؛ كي لا يموت الحرف فأموت أنا. فان جوخ كان يقول: "أنا أحلم وبعد ذلك أرسم حُلمي". وأنا أحلم وبعد ذلك ترسم الكتابة حُلمي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :