صح النوم يا «لبنان»!

  • 4/4/2014
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي عجبت، وحُقّ لي أن أعجب، وأنا أشاهد على قناة «المستقبل» برنامجاً واقعياً اسمه «علّ أكيد»، وهدفه المُعلن إصلاح ذات البين والتأليف بين قلوب المتنافرين، حين رأيت ضيف البرنامج الرئيس، وهو شابّ مراهق عاقّ، يقفز على الطاولة، وينقض موجهاً بقدمه الآثمة ركلة خاطفة إلى والدته الجالسة أمامه في البرنامج. ليس هذا ما يحزنني فحسب، فثمة أمثلة كهذه من الموبقات تستتر وراء الكواليس أكثر من تلك التي تُعرض أمام الكاميرات! لكن الذي أفزعني هو استمرار مقدم البرنامج ومن حوله في التعامل مع هذا المراهق العاقّ - بعد ضربه لأمه أمامهم - وكأنه ضحيّة، وسعيهم بعد ذلك إلى تأهيله وضمه إلى المدارس المهنية في لبنان، وهم يسكبون عصيّ دمعهم عليه، لأنه - بزعمهم - ضحية لاختلاف والديه وبُعده عن والدته، ويخبروننا كم أن هذا الحرمان الذي وقع عليه يستوجب من المجتمع أن يواسيه ويراضيه ويعلمه ويشغّله...إلخ! صح النوم يا «لبنان».. أولاً: صحّ النوم يا «لبنان» المتمثل في بلد عربيّ أصيل ذي مروءة ودين! إن ضرب الأم، خصوصاً على برنامج يذاع على قناة عربية لهو آخر ما يمكن للمشاهد أن يتوقعه، وإن هذا المشهد ليس أدنى جريرة من بث برامج الرذيلة التي تمنعونها، لأن عقوق الوالدين وضربهما على الهواء مباشرة من فظائع الجرائم، ومخالف للفطرة السليمة وجميع الأديان، ومجاف للانتماء العربي، ومناف لكل الأعراف التي يمكن لإنسان يتمتع بالمروءة أن يتحلى بها، ولأجل هذا لا ينبغي أن يمرّ عليكم هذا مرور الكرام، ومبلغ العلم فيكم والظن أحسن من ذلك. ثانياً: صح النوم يا قانون لبنان.. إن قوانين الإساءة في النشر ينبغي ألا تقف عند حدود التابوهات الثلاثة، بل ينبغي أن تتجاوز ذلك إلى ما يمكن أن يسيء إلى مشاعر كل الأمهات والآباء والأبناء في أنحاء العالم، إن كان في العالم مروءةٌ باقية، وفي كل بيت يحترم ساكنوه أنفسهم، إن كان في القاطنين ماءُ وجه باقٍ! ما الذي يدور ببال طفل عندما يرى أماً يضربها ابنها في برنامج واقعي مسجّل على التلفاز، ثم يرى بأم عينه هذا الطفل وهو يؤخذ بالأحضان وتؤمّن له الرعاية والدراسة، وتصوّر ابتسامات السعادة وهي تتفلج في وجهه لهذه العناية وهذا العطف اللذين تلقاهما؟! بل ما شعور كلّ أم رؤوم ترى هذا الحنان المسكوب على ضارب أمه من مقدمي البرنامج هؤلاء، ومن لفّ لفّهم من الأراذل؟! ولهذا فإن قانون لبنان في مجالات الإعلام والنشر كان ينبغي له منذ تأسيسه ألاّ ينام عن تجريم مثل هذه العروض الشوهاء. وثالثاً: صح النوم يا قضاء لبنان.. كيف يكون جزاء من يضرب والدته أمام أعينكم هذه الرأفة والإحسان – أياً كانت مبرراته في ضرب والدته - في حين أنه يستحق أن يُحاكم ويسجن ويعزّر أشد التعزير، وينكل به أشد النكال، تأديباً له، وردعاً لكل من يهجس في صدره أو يخطر بباله مثل هذه الأفعال، التي تنم عن خبث طوية، وحقارة نفس، وانتكاسة في الفطرة الآدمية. تبقت رسالة وحيدة أودّ إيصالها بعدُ، وهي أن هذا الابن العاق كان يزعم في البرنامج - بوقاحة - أن أمه كانت تضرب والدتها هي أيضاً، وأنها كسرت يد أمّها! ثم قفز هو من خلف الطاولة إليها، ووجه ركلة خاطفة إلى وجه أمه التي لم تجد ما تحول به بين وجهها وقدمه إلا يدَها التي طالما ألقمت وجهه ثديها! هذا الأمر يبعث على العبرة والاتعاظ من جهتين: إن كان هذا الابن العاق صادقاً – وما أبعد ذلك عن الظن - فإن علينا جميعاً أيها الأبناء أن نراعي والدينا ونبرّهم، إن لم يكن ذلك خوفاً من الله وحياء من ذهاب ماء وجوهنا، وسقوطنا من أعين أنفسنا، فليكن من باب الحذر من عاقبة الظلم الوخيمة، هذا في حال صدقت حكاية من هذا الابن الذي لا يستحق تصديقاً ولا رأفة. أما إن لم تكن هذه الأحدوثة صادقة - وما أقرب ذلك إلى الظن - فإن جانب العبرة الذي نأخذه منها هو أن الإجرام لا منطق له، ولا تنتهي سفسطته عند حدّ، فإذا كان هذا الضارب أمّه، أمام الله وخلقه وفوق أرضه وتحت سمائه، يدعي أنها كانت تضرب أمها ويعيرها بذلك، وهي تنكر ذلك وتكذّبه، فكيف يقدم هو - تعساً له - على ذلك، وعلى رؤوس الأشهاد؟! صح النوم يا «لبنان».. أيّ جيل هذا الذي كلما دخلت إلى الدنيا منه أمّة لعنتْ التي جاءتْ قبلَها؟ ثم جاءت بعدهما أمّة أرذل منهما تترحم على القاتل، وتوقع اللوم والذم على المقتول! صح النوم يا «لبنان».. هل انتقلتم بنا فجأة إلى عالم مستعار من دركات الجحيم ونحن لا ندري؟       @abdulwahed

مشاركة :