الفرق بين ميريل ستريب وإلهام شاهين

  • 1/12/2017
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

رد ترمب على ما قالته الفنانة العالمية يعني أنه يدرك حجم التأثير القوي لـ"ستريب" على جمهورها الواعي، لأنها ترفض أن يتحول وطن الحرية والتسامح إلى قاع لخطابات السياسيين الجوفاء كتبت جمانة حداد في مقدمة كتابها (صحبة لصوص النار): "إنه السؤال الأول في تاريخ الإنسانية، سبب ما يسمى "خطيئة" الإنسان الأولى، أي رغبته في المعرفة، هو السؤال -الوسواس- الأصل الذي في كل شيء، والذي من أجل كل شيء، لكن أليس كل سؤال وسواساً ماكراً؟ فكما كان السؤال الحيّة ينطوي على جوابه - مأربه، هكذا كل سؤال، عالم متكامل يخزن في ذاته ماء جوابه وزلته"، انتهى ما كتبته جمانة، وربما لهذا السبب لم أتوقف يوماً في حياتي دون أن أبحث عن أي إجابة لأي من أسئلتي، الأسئلة دائما تشكل للآخرين تهديدا صريحا، ربما هو الخوف من كيف يمكن أن يكون عليه حال الإجابة! وحينما انتهيت من مشاهدة آخر فيلم للفنانة الأميركية "ميريل ستريب"، تساءلت: لماذا أنا مخلصة دوما لمشاهدة أفلامها؟ ولماذا تشكل بالنسبة لي ظاهرة فنية لن تتكرر؟ ولماذا صورة ميريل ستريب بالنسبة لي عبارة عن توثيق لمعنى الاكتمال الفني؟ ووجدت الإجابة وأنا أتتبع كلماتها التي قالتها في حفل تكريمها الأخير أثناء توزيع جوائز الجولدن غلوب في دورته الـ74، من قبل رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية، حيث وجهت الفنانة هجوما مبطنا على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من دون أن تذكر اسمه صراحة، قالت فيها: "شكرا للصحافة الأجنبية، فهذه القاعة تعج بالفئات الأكثر كرها لدى أغلبية المجتمع الأميركي في الوقت الحالي، وهم هوليوود، والأجانب، والصحافة". وتابعت قائلة: "هناك لدينا مثل آيمي آدمز ولدت في فينيسيا الإيطالية، وناتالي بورتمان ولدت في القدس، أين هي شهادات ميلادهم؟ ولدينا الجميلة روث نيجا، ولدت في أديس أبابا بإثيوبيا وتربت في أيرلندا، وممثل مثل "رايان غوسلينغ" فاز بجائزة أفضل ممثل لفيلم موسيقي وهو كندي الجنسية، و"ديف باتل" ذو الأصول الكينية والبريطاني الجنسية، والذي يؤدي دور الهندي في معظم أفلام هوليوود، كل هؤلاء لا يمكن لأحد أن يطردهم ويبعدهم عن الولايات المتحدة". ميريل ستريب، 67 عاما، كانت إحدى الداعمين لحملة هيلاري كلينتون، وهاجمت ترمب في أكثر من مناسبة، خاصة نيته ترحيل كافة المهاجرين غير الشرعيين عن الولايات المتحدة. ومضت الممثلة قائلة: "علينا أن نعلم جيدا أن الازدراء يؤدي إلى الازدراء، والعنف يحرض على العنف، وعندما يستخدم أصحاب القوة قوتهم للضغط على الآخرين فإننا نخسر جميعا". وأنا لا أريد أن أقارن بين موقف "ميريل ستريب" كفنانة عالمية ودعمها للمهاجرين والملونين في أميركا، وكلماتها المؤثرة والقيمة، وما بين الفنانة المصرية "إلهام شاهين"، لأني بذلك أعطي قيمة لشاهين أكثر مما تستحق، وهي التي تدعم نظام بشار الأسد، وتحتفل بمقتل المواطنين السوريين في مذبحة حلب، فهناك فارق شاسع لا يمكن تجاهله، ونأسف لكون الفنانة المصرية لا تزال تسير في الظلام السمعي والبصري، وتصفق لمقتل أبرياء لا ذنب لهم، وإذا لم تكن تعلم ما يحدث حولها فيمكنها عبر "الريموت كونترول"، أن تشاهد العشرات من القنوات الإخبارية التي توثق الظلم الواقع على الشعب السوري. كلمات "ميريل ستريب" أو صفعاتها لدونالد ترمب، جعلته يرد عليها واصفا إياها بأنها "ممثلة مبالغ في تقديرها"، وكتب عبر حسابه الخاص في تويتر: "ميريل ستريب واحدة من أكثر الممثلات المبالغ في تقديرهن في هوليوود، لا تعرفني لكنها هاجمتني الليلة الماضية في حفل جولدن غلوب"، إن مجرد رد ترمب على ما قالته الفنانة العالمية يعني أنه يدرك مدى حجم شهرة ستريب وتأثيرها القوي على جمهورها الواعي والمخلص لما تقدمه في السينما، حيث إنها ترفض، كبقية الناس الطبيعيين، أن تتحول أميركا -وطن الحرية والتسامح- إلى قاع لخطابات السياسيين الجوفاء. وصودف أني بعد مشاهدة كلمات "ميريل ستريب" والتي امتدت لست دقائق، شاهدت مقطعا مؤثرا وقد كان عبارة عن جزء من لقاء الكاتب والمعارض السوري ميشيل كيلو، حيث استضافته المذيعة زينة يازجي في برنامجها الشارع العربي، وسألته عن قصة الطفل السجين الذي تفاجأ ميشيل حينما ذهب بأمر الشرطي لأن يقص عليه بعض القصص لتسليته، والسبب عدم معرفة هذا الطفل الذي ولد في السجن، ماذا يعني العصفور أو الشجرة وحتى كرة القدم!! فقد كان لا يدرك معنى الحياة العادية والبسيطة، هذا الألم العملاق دفع المعارض السوري لأن يطرق باب الزنزانة ويطلب من الشرطي أن يأخذه بعيدا عن الأم وطفلها، وحينما سأل عن سبب سجن الفتاة، أخبره الشرطي بأن والدها معارض وقد فر إلى عمّان، ومن حينها تم اعتقال ابنته لتنجب طفلها وهي في السجن، ولتتعرض لأبشع أنواع الظلم والأسى، كل ذلك حتى يتم الضغط على والدها لتسليم نفسه! هذه هي سورية التي لم تعرفها جيدا الفنانة المصرية "إلهام شاهين" للأسف، لأنها لم تعش مثل هذه التجارب باهظة الثمن، وهي التي بكت وانهارت في أحد اللقاءات التلفزيونية، لأنها شاهدت مقطعا مصورا لدقائق معدودة، وأحدهم يشتمها ويصفها بأقذع الأوصاف، لم تكن لتفكر كيف يعيش المعارضون في سورية، وكيف تغتال حياتهم وحياة أبنائهم، فقط لأن أحدهم عارض السلطة القمعية المجنونة! وفي النهاية: أحيي الفنانة "ميريل ستريب" لأنها إنسانة وفنانة في ذات الوقت، وتملك عقلا لا يملكه الكثيرون.

مشاركة :