أربعٌ وسبعون سنة تمر على صدور رواية الغريب للكاتب الفرنسي ألبير كامو لتولد من جديد بتفاصيل مدهشة لم تخطر على بال أحد سوى تلك الأميركية التي وقعت في حب كامو وقررت أن تعرفه أكثر وتعرف سر روايته. أليس كابلان هي البطلة التي الجديدة لكامو، لكنّها بطلة واقعية، قامت برحلة تشبه الروايات لتكتشف حقيقة العربي الذي ظلّ مجهولاً في محتوى الرواية إلى أن ظهرت للوجود. أما كامو الذي يعرفه الجميع فقد ولد وكبر في الجزائر أيام الاحتلال الفرنسي. وكان ثاني أصغر من نال جائزة نوبل في الآداب العام، لكنّه لم يعن الجزائريين كثيراً بشخصه، كونه أحب الجزائر بدون شعبها لأسباب تخصه. وحتى في الدراسات التي أنصبت على أدبه فقد توقفت كلها عند حدود عشقه للجزائر كجغرافيا وكراهيته للجزائريين أو العرب كما يحلو له أن يسميهم في أدبه. إلاّ أن هذه الأميركية التي تدعى أليس كابلان فقد أسرها غريب كامو وقررت أن تبحث عنه على أرض الواقع. ولم تتوقف عند المعلومات التي عرفناها عنه على مدى 74 سنة. قدر كامو الأدبي بدأ في العاشرة من عمره حين اكتشفه أستاذه لويس جرمان ورعاه باهتمام خاص لصقل موهبته، ولأنه كان ولداً حساساً جداً فإنّه تأثر كثيراً بما قدمه له أستاذه لدرجة أنّه قدّم له شكره وعرفانه في كلمته الشهيرة حين استلم جائزة نوبل العام 1957. وأعتقد أن كامو مثله مثل غيره، ارتبط مصيره بذلك الأستاذ الذي أحسن توجيهه وتبنيه أدبياً. وبعمه الذي اهتم به بعد وفاة والده وهو رضيع. فقد عاش في بيئة جد فقيرة، ولم تكن والدته الخرساء تتقن صنعة غير العمل في البيوت كخادمة، ما جعله في عمر المراهقة يعاني بشدة من خجل أثقل كاهله بسبب ذلك الفقر الذي طوّق عائلته. كل فلسفته الغريبة انبثقت من تلك البيئة وتلك المعاناة. أما شهرته المبكرة فقد جاءت كهدية إلهية ليسعد بها خلال الفترة القصيرة التي عاشها فيما بعد لأنه أصيب بمرض السل ورحل باكراً. أليس كابلان طرحت أسئلة كثيرة بخصوص ذلك العربي المذكور في الرواية؟ فالكاتب الذي عاش في الجزائر وعشقها بمل عواطفه وعقله ظلّ رصيفه في الحياة غير الرّصيف الذي يسلكه أهلها. فوصف الجزائر بلغة باذخة، ووصف أبناءها بكلمة مبنية للمجهول العربي والعربية وكأن أبناء الجزائر مجرّد خيالات تمر أمامه بدون ملامح، أو وجوه وأسماء، فقط ظلال وأشخاص مجهولو الهوية. أليس كابلان طرحت السؤال على نفسها من هو ذلك الغريب؟ وبحثت عن الجواب الذي صدر في كتابها بحثاً عن الغريب في شهر أيلول الماضي عن منشورات جامعة شيكاغو. يتبع
مشاركة :