الثلاثية الهائمة - د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

  • 1/12/2017
  • 00:00
  • 46
  • 0
  • 0
news-picture

د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي معرفة المسافات مهمةٌ للدرب، ومعرفة الأحجام ضرورة لقياس المُساكنة، وربما ظننا الطريق قصيرةً فلم نستعدّ، وتوهمنا الحجم كبيرًا فتضاعفت مساحات الفراغ، وكثيرًا ما «نسي الطينُ أنه طين»! * لسنا من يختار دربَه ولا من يقيس حجمَه؛ فللزمن حساباتٌ لا يعرفها البشر، وفي معادلة المساحات لا يكفي الطول والعرض، ولمن لم يستطع تقديرَها «سوءُ الحظ»؛ إذ ستغيم رؤاه، ويضِلُّ غدُه. * الأفراد كالدول وكالأمم لمن لا يُقدر خطوَه، وعهدنا متميزين تراجعوا وتجارب انتكست وتأريخًا احتضر؛ فذاك- الذي كنا نعده الأبرز في نظرائه - ابتأس حين غادرته الحكمة ولم يُسعفه التحكم وطاول سماءاتٍ ليست فوقه، ومشى طرقاتٍ لم تُفسح له، وانخدع بتائهين مثلِه زفُّوه إلى نهايته. * ليته واحدٌ فلهان خطبُه، لكنهم كُثُرٌ - حسبناهم أرقامًا وأفهامًا - دفع بهم المتعجلون نحو المقدمة فتبعثروا، ولو عرفوا أوزانهم المعيارية لما وقعوا في فخ الأهازيج الصاخبة التي تُصمُّ وتُعتمُ وتُغمّ. * في أذهان الجميع نماذج من هؤلاء، والمقام ليس للتمثيل بل للتحليل؛ فالمكاسب العاجلة والأكف المصفقة والمعلومة الخاطئة والنفوس الجانحة والأقلام المتحيزة أوردت ذويها والمرتضين بها مواردَ زادت ظمأهم حتى سقطوا في غيابات الجب بحثًا عن الريِّ في بلاقع القفر. * وحين قامت ثورة حماة الأولى مطلع الثمانينيات، وكنا في المغترب الأميركي نتسقط ما قد يرشح من أخبار عنها، توهمنا مع خطباء الجمعة ومعلقيها ومنشوراتها أن قد حان انتصار المستضعفين، وهيهات، ثم بعد ثلاثين عامًا قامت الثورة الثانية ولم تكن حالُها أفضل من تلك التي سُحقت، وأيقنّا أن لإدراك الحجم والوقت والمسافة دورًا مغيبًا؛ فلا تكفي عدالة القضية، بل وعي التحول وقراءة المتغيّرات. * وحين غابت الأمة عن الأمم تشظت، وعابوا على من يربط بين العرب والمسلمين بالعاطف «الواوي» الذي يعني المغايرة؛ فليس في الحضور الفاعل سوى أمة إسلامية، وعشنا لنراها بضعًا وسبعين فرقةً لا يلتئم لها بناء، ووعينا أن أحلام الوحدة لا تكفيها النوايا. * هنا نبلغ معادلة «فهم الذات والإمكانات»؛ فرأيُنا في أنفسنا مهم لكنه ليس الضامن الأوحد للنجاح، وتقديرُ أحجامنا لا يتحقق بقياساتنا، وشعاراتُنا - مهما كان نبلُها- لا تكفي لصنع غدٍ مختلف. * نستطيع قراءة ثورات الربيع العربي بمنظار حالمٍ كما بمنظارٍ صهيوني موقنٍ «بعدها» بتقارب دولة يهود مع العالم العربي حتى صاروا حلفاء بتعبير «نتنياهو»؛ فهل ثمَّ سقوطٌ أكبر؟ وإلى أين المسيرُ؟ وما هو المصير؟ * ينضوي الفرد والدولة والأمة في بناءٍ صغيرٍ يَفترض تجاورَ الوعي مع السعي، وسبقَ العقل على الحركة، وقياسَ المسافة قبل التخطيط والحجمِ قبل التنفيذ. * الأهداف الكبيرة لا تكفي.

مشاركة :