هاشمي رفسنجاني الذي تجاوز عقدة «الشيطان الأكبر» - مقالات

  • 1/14/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يختزل علي اكبر هاشمي رفسنجاني، الذي توفى قبل ايّام جانبا من التاريخ الايراني الحديث. كان من بين الشخصيات الايرانية التي لعبت دورا مهما في مرحلتي الاعداد للثورة التي أطاحت الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1979 وتلك التي تلت انتصار تلك الثورة بقيادة آيه الله الخميني وقيام «الجمهورية الإسلامية» في ايران. كان رفسنجاني الذي جمع ثروة كبيرة من زراعة الفستق والمتاجرة به وعلاقاته بتجار البازار يمتلك عقلا مرنا يتسم في الوقت ذاته بالواقعية والمعرفة الدقيقة بموازين القوى الإقليمية والدولية. لذلك لم يكن في يوم من الايّام مقتنعا بالعداء للولايات المتحدة. سمح له هذا العقل بان يقنع الخميني في العام 1988 بتناول «كأس السمّ» ووقف الحرب مع العراق. استمرّت تلك الحرب التي استنزفت دول المنطقة ثماني سنوات وادت الى خسائر كبيرة لحقت بالعراق وايران ودول الخليج العربي أيضا. لكنّ هذه الحرب ساهمت في الوقت ذاته في دعم النظام الذي أقامه الخميني ومكنته لاحقا من استغلال الخطأ القاتل لصدّام حسين عندما غزا الكويت في العام 1990 واراد شطب بلد عربي عن الخريطة. مهد الخطأ الكويتي لوضع اليد الايرانية على العراق بعد الحرب الأميركية التي تعرّض لها في ربيع العام 2003. حققت ايران بفضل الولايات المتحدة ما عجزت عن تحقيقه بعيد اعلان «الجمهورية الإسلامية» ورفع شعار «تصدير الثورة». تكمن اهمّية رفسنجاني، الذي شغل موقع رئيس الجمهورية بين 1989و 1997 وقبل ذلك موقع رئيس مجلس الشورى (مجلس النوّاب)، في انه سعى الى اتباع نهج إصلاحي جعله، بعد موت الخميني، يصطدم بعلي خامنئي. اصطدم بـ«المرشد» على الرغم من انّه كان له دور في وصول الأخير الى الموقع الذي يعتبر السلطة العليا في ايران، أي انّه بمثابة المرجعية لكلّ مؤسسات الدولة من زاوية كونه «الوليّ الفقيه» الذي لا مجال لاي جدال او نقاش معه. تعرّض رفسنجاني في السنوات الأخيرة للاضطهاد، لكنّه بقي حريصا على النظام ولم يشكّك به يوما، علما ان تحذيرات عدة صدرت عنه تشير الى اعتقاده بان تفادي الإصلاحات سيعود بكوارث على ايران. بقي على ولائه للنظام الذي سجن ابنته فائزة كما سجن احد أبنائه ويدعي مهدي بتهمة الفساد. في النهاية، حرص النظام على تكريم الرئيس السابق الذي انضمّ الى مجموعة من الإصلاحيين، على رأسهم الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي. لم تستطع هذه المجموعة تحقيق ايّ انجاز يذكر على صعيد تحسين الاوضاع المعيشية او إيجاد هامش للديموقراطية. صحيح انّها ساعدت في إيصال حسن روحاني الى الرئاسة، لكنّ الصحيح أيضا انّ روحاني، على غرار محمّد خاتمي، لم يلعب دورا يذكر في تغيير السياسة الايرانية على الرغم انّه كان من داعمي الاتفاق في شأن الملف النووي الايراني والانفتاح على الغرب. سيكون ضريح رفسنجاني الى جانب ضريح الخميني. يقول الخبثاء ان ذلك سيسمح لـ«الحرس الثوري» والجهزة الامنية بمراقبة من يزور الضريح. بقي رفسنجاني مقلقا للنظام في حياته وبعد مماته. اكثر ما يقلق في رفسنجاني امتلاكه لشبكة علاقات واسعة سمحت له بان يكون لاعبا أساسيا على الصعيد الإقليمي في اثناء توليه الرئاسة وقبل ذلك، أي في مرحلة لعبه دور اليد اليمنى لآية الله الخميني. وقتذاك، ارتبط اسمه بفضيحة «ايران غيت» والزيارة السرّية التي قام بها اميركيون واسرائيليون لطهران في اثناء الحرب مع العراق والتي انتهت بحصول ايران على أسلحة كانت في حاجة اليها. تجاوز رفسنجاني وتجاوزت معه ايران عقدتي «الشيطان الأكبر» و«الشيطان الأصغر» عندما دعت الحاجة الى ذلك. ما هو ملفت في سيرة رفسنجاني انّه لعب دوره في تدعيم النظام في الايّام الصعبة التي مرّ فيها، كما كان قريبا جدا من الخميني الى حين وفاة الاخير. كان له دور كبير في ابعاد حسين منتظري عن موقع «المرشد» خلفا للخميني وكان له دور في حماية النظام القائم على نظرية «ولاية الفقيه». يدفع هذا الدور الى التساؤل هل كان اصلاحيا بالفعل... ام كان هدفه استخدام الشعارات الإصلاحية لتعزيز موقعه السياسي في مرحلة ما بعد الخميني وصعود «الحرس الثوري»؟ لا يمكن الّا الاعتراف بهذا الدور الكبير لرفسنجاني على الرغم من انّه فشل في كلّ خطوة اقدم عليها منذ وفاة الخميني، خصوصا في فترة صعود «الحرس الثوري» الذي الغى معظم المؤسسات الأخرى للدولة. يظلّ الفشل الأكبر لرفسنجاني في انّه لم يرفض يوما المشروع التوسّعي الايراني القائم على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية. بقي على الرغم من كلّ الظلم الذي تعرّض له ساكتا عمّا تقوم به ايران عبر الميليشيات المذهبية التي اسستها والتي ذهبت بلدان عربية عدة ضحيّة لها. وقف مع الظلم في كلّ مكان من دون ان ينبس ببنت شفة حيال ما يتعرّض له هذا البلد العربي او ذاك. هل كان رفسنجاني يدري ماذا يعني الدور الذي تلعبه ميليشيا مذهبية مثل ميليشيا «حزب الله» في لبنان؟ الم يدر بخلده انّ ضرب الصيغة اللبنانية والمجتمع اللبناني في الصميم هو إساءة لإيران، في حال كانت تريد ان تكون دولة طبيعية من دول المنطقة، وللشعارات التي رفعتها الثورة فيها؟ لم يصمت رفسنجاني امام الظلم الذي تعرّض له الشعب السوري. كان بين الزعماء الايرانيين القلائل الذين اعترضوا على التورّط الايراني في سورية ولكن من دون أي نتائج عملية لاعتراضاته. في المقابل، صمت حيال جرائم «الحشد الشعبي» وقبل ذلك ميليشيات الأحزاب المذهبية في العراق. كان يسعى الى ان يكون له دور في العراق، لو سمحت الظروف بذلك. صمت حيال التدخل الايراني في اليمن، وهو تدخل ادّى الى تأجيج الصراع المذهبي في بلد لم يعرف في الماضي أي خلافات مذهبية تذكر بين الزيود والشوافع. فضّل رفسنجاني السلامة الشخصية دائما. حمى ثروته وثروة عائلته، وهي ثروة ضخمة. كان وطنيا إيرانيا من دون شكّ ولكن ماذا عن المبادئ الانسانية التي رفعتها الثورة الايرانية التي ما لبثت ان تحوّلت الى ثورة تستخدم فلسطين للمتاجرة بهذه القضية والمزايدة على العرب لا اكثر؟ مرّة أخرى، لا يمكن تجاهل ان رفسنجاني كان من ابرز الشخصيات التي انجبتها ايران في السنوات الخمسين الاخيرة. هذا لا يعني باي شكل انّ صمته تجاه المشروع التوسّعي لـ«الجمهورية الإسلامية» لم يكن صمتا مريبا. انّه صمت يكشف تلك الشوفينية الفارسية الموجودة في داخل معظم الايرانيين، خصوصا تجاه كلّ ما هو عربي في المنطقة، بدءا بالعراق وصولا الى اليمن، مرورا في طبيعة الحال بلبنان...

مشاركة :