الشعراء الشباب يحاكمون تجربة الحداثة الشعرية في الثمانينات

  • 1/14/2017
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تأتي سيرة الحداثة في المشهد الثقافي السعودي تتبادر إلى أذهان الناس أسماء العديد من النقاد وبعض الشعراء لكن النصوص تغيب والحديث عنها يتوارى وكأن الحداثة، كمنجز أدبي، لم يكن له ذلك التأثير الفني على المشهد الثقافي. بل إن البعض اكتسب شهرة ونجومية من مجرد حالة الصراع التي كانت دائرة آنذاك، فهل كانت تجربة الحداثة مجرد كذبة تضخمت بفعل تحرش التيار المحافظ بنصوص تلك المرحلة؟ وأنه لولا تلك المماحكات والتحرشات لكان الكثير من منجز مرحلة الثمانينات مجرد نصوص عابرة ليس لها من مجد أدبي سوى كونها نتاج صراع مرحلة زمنية ما؟ من هنا جاء طرح هذا السؤال على شعراء الجيل الشاب: إلى أي مدى تتشكل تجربة الحداثة في ذاكرتك كتجربة أدبية وما مدى تأثرك فنيّاً بإبداع تلك المرحلة وهل تأثرت بتجربة إبداعية من تجارب فترة الثمانينات؟   الشاعر محمد التركي: ربما أستطيع الإجابة بـ: لا.. لكنها لا مرتبكة ولا مترددة ولا تستطيع الصمود طويلا، فنحن عشنا بعض هذه المرحلة وانتقلت إلينا عبر ما نشر في ذلك الوقت وما كتب بعد ذلك. لكن ما يكتب، ومازال يكتب حتى الآن، ظل في دائرة النزاع، ولم يستطع تجاوز الضجيج حول الحداثة بوصفها تغييرا اجتماعيا وتقدما حضاريا إلى الحداثة في منتجها الأدبي وتغييرها في شكل القصيدة من حيث القافية والتفعيلة وبتقنيات كتابتها ورفضها للسائد والتقليدي. يبدو ذلك الوقت ضبابيا ومعتما، حتى مع تقدم السنوات مازالت الفتاوى والكتب والمحاضرات التي تناولت الحداثة ووصفتها بالتمرد ومحاولة تغريب المجتمع، مازالت تكبل المنتج الأدبي وتمنعه من الظهور، فلو نظرنا لمناهج التعليم لن نجد نصًّا واحدا لشاعر من تلك الفترة، ومعظم جمهور الشعر بحث عن محمد الثبيتي مثلا بنفسه وحاول التعرف عليه. هذا الظلم وقع بشدة على شعراء رائعين آخرين، أدى الصراع الدائر حول الحداثة إلى وضعهم في الظل وترك الضوء للنقاد الذين تلقوا الصراع ومازالوا يدورون في زوبعته حتى الآن. الـلا التي أظنها جوابا هي نعم أيضا، وصلنا متأخرين لبعض شعراء الحداثة، ومازلنا نواصل البحث عن نصوص لبعضهم، لكنهم كانوا مؤثرين أكثر برمزيتهم، بوقوفهم في وجه أول تيار وذلك غير كافٍ، حتى تناول أسمائهم بشيء من التبجيل سيمنع القارئ من معرفتهم والاستفادة من تجربتهم.   الشاعر حيدر عبدالله: نحن مخبوزون بلهب تلك الحداثة، وداخل ذلك التنور الثقافي الساخن سنظل ننضج ونتكون. هو لا شك لهب زاده الصراع اضطراماً، وسكب عليه التشدد زيتا باردا هو الذي غذاه بالحرارة، ولكنها مرحلة استطاعت التوهج والتمدد والبقاء في الذاكرة لأنها ببساطة لم تكن لتخلو من جمرة الإبداع. تلك الفحمة التي تشبثت بالأكسجين فتحولت إلى ماسة، وأصبح الكلام الذي كان يُظن عابرا قصصا سحرية وقصائد. صحيح أنني ولدت في التسعينات، ولم أشهد ذلك الصراع ولا ذلك الإبداع ولم يصلني صداهما إلا عبر ما دون في الكتب وما أثير في لقاء تلفزيوني هنا أو حوار صحفي هناك، أو عبر ما ينقله جيل لآخر من ذكريات واندهاش وربما احتقان، ولكن ذلك لا يعني عدم وعيي وإدراكي لجوهرية تلك التجربة المتكررة عبر الحقب وأهمية تلك المناورة الأزلية بين المتحول والثابت، بين المتدفق كالشلال والراكد كالحجر. سنظل نحن الشباب مدينين لأولئك الرجال الذين شقوا لنا الأنفاق والآفاق، وشدوا لنا القوارب بالمراسي ريثما نركبها نحو الكواكب. نستطيع الآن بفضل نضالهم الجمالي الأثير أن نكتب القصيدة التي نشاء تماما كما تشاء القصيدة. تعلمنا منهم شجاعة التجريب، وأورثونا لغة يلونها الغموض ولا يعتمها، ويضيئها المعنى الذي لا يؤلم العين. رأينا فيهم تلمس المكان وتشمم المكين، واللجوء الذكي إلى التراث دون الإقامة فيه، والعودة الحثيثة إلى الذات النائية، والاشتغال الدائم بالنص الذي لم يخلق بعد. علمونا باختصار (الكتابة خارج الأقواس) كما يحب الدكتور السريحي أن يسميها. فشكرا لهم (حتى تفيء السحابة) بالمطر، وحتى تعود القوافل وفي رحالها ألف محمد ثبيتي متمرد وجديد.   الشاعرة روان طلال: تركت أثرها لابد، لا أعني بهذا الأثر أثرا واضحا على منجز أدبي أو ثيمة تقترب لتكون نسختها الثانية إذ أن الطرق المسلوكة مختلفة ومواكبة كلا لوقتها، ولكنه أثر واضح وصارخ في الروح. في زحام الأسماء التي كانت، والتي خاضت مع من خاضوا معارك الحداثة بكل هفواتها وانتصاراتها،  تأخذ العديد منها أماكنها الواضحة في القلب لكن تبقى تجربة سيد البيد، مثل نجمة وحيدة تضيء ليلا بأكمله. لهذا الرجل بمنجزه العالي مكانته الشاهقة وأثره النافر، إذ كان من أوائل الذين شكلوا صورة قريبة للقصيدة بشكلها الحديث في وعيي وقرنوا هذه الصورة بالجمال والفرادة. كان كمن يأخذ القصيدة من منزلها المعتاد إلى منازل أفسح، مع حفاظها الدائم على الهوية الأولى له وللمكان. وأرجح أن أسباب هذا التأثر المحدود -إن صحت العبارة- تعود إلى إيماني بأن لكل تجربة أرضها الخام التي تتشكل بفعل الوعي والوقت والروح، لا تلغي ما سبقها ولكنها بالمقابل لا تقترب منها ولا تسمح بسلك طرقها. القصيدة تخلق في كل مرة وكأنها الأولى.   الشاعر طلال الطويرقي: قبل الخوض في الإجابة أود أن أشير إلى أن توقيت الصراع وحركية المجتمع بعد الطفرة لعبت دورا كبيرا في المعركة الحداثية هذا بدءا. وعن رأيي الشخصي فأعتقد أن الحداثة وما رافقها من صراع تياراتي أفرزت تجارب مميزة وأخرى ركبت الموجة وكان لها مكاسبها الإبداعية بشكل ما. هناك تجارب لم تتجاوز نفسها بعد ذلك، وبقيت رهينة مجد آفل، وظلت تجتر ما كتب في تلك الفترة في كل مناسبة، هذه التجارب لم يكن المجد لإبداعاتها بقدر ما كان لما تحملته من السهام الموجهة للتيار، وهناك تجارب ثرية إبداعيا خلقت تفردها وواصلت طريق الرحلة بتميز وإن قل إنتاجها بشكل ملحوظ لا يتوازى مع عمق التجربة وفرادتها وهذا مؤشر مهم كما أراه. وعموما كانت هناك جياد أكثر من الفرسان ما جعل الكثير يركب الموجة من الشعراء والنقاد، فاستغلت الجياد وسقط من سقط، وادعى المجد من ادعى، لكن الزمن هو الذي سيسقط أنصاف الفرسان ذات لحظة.   الشاعر محمد خضر: لهذه المرحلة أهمية في كونها أسست لرؤية مختلفة وقتذاك تجاه الشعر وكتابته في المشهد ولا شك أن فيها من الشعراء من قدموا تجارباً أو نصوصاً مختلفة آنذاك في قصيدة التفعيلة بيد أن أكثر ذلك الوهج وما تعبر عنه الشهرة أشعلته وخلقته تلك الصراعات مع الجبهات الراديكالية الفنية منها أو تلك المتطرفة والمعادية للأفكار الجديدة والتي كان يشوب علاقتها مع اللغة أساساً خلل ما.. وعدم قدرة على استيعاب التغير اجتماعياً وسياسياً وفكرياً. تجربة الثمانينات مرت بتلك الأسئلة والظروف الصعبة لكنها على صعيد الشعر لم تقدم الكثير خارج ذلك الصراع مع التيارات المحافظة فتوقف الشعراء لعقد آخر واعتزل أغلبهم ولم يصدر آخرون نتاجهم في انتظار مرور الطوفان. لم تؤثر هذه التجربة فنياً في طريقة كتابتي ولكن في انفتاحي على عوالم جديدة ومعرفة ذهنية مختلفة للكتابة الشعرية المحلية آنذاك بل لم اقرأها إلا بعد قراءاتي لتجارب عربية وأخرى مترجمة وربما لأن تلك التجربة السعودية لم تكن متوفرة وغير مطبوعة باستثناء تجارب قصيدة النثر وبعض تجارب شعر التفعيلة القليلة التي كانت ملهمة ومؤثرة.. أعتقد أنني جئت مع مجموعة من الشعراء بعد أن هدأت العاصفة ولذا كانت الرؤية أوضح بالنسبة لما هو مؤثر وما هو متداع ومتواتر من أثر ذلك الصراع. حيدر عبدالله: نحن مخبوزون داخل ذلك التنور الثقافي الساخن طلال الطويرقي: هناك تجارب ثرية إبداعياً واصلت طريق الرحلة بتميز محمد خضر: أسست رؤية مختلفة وقتذاك تجاه الشعر وكتابته في المشهد

مشاركة :