كان من المفروض أن تستمر محادثات توحيد جزيرة قبرص لمدة ثلاثة أيام، إلا أنها انتهت بعد اليوم الأول من دون التوصل إلى اتفاق، لكن مع وجود خطة لاجتماع المسؤولين في 18 يناير (كانون الثاني) للتعامل مع مسألة الأمن الشائكة قبل محاولة جديدة لإبرام اتفاق سياسي. الجزيرة انقسمت بعد غزو تركي عام 1974 ردا على انقلاب لم يدم طويلا بإيعاز من أثينا استهدف الوحدة مع اليونان. وظلت الجزيرة مقسمة منذ ذلك الحين بين القبارصة الأتراك في الشمال والقبارصة اليونانيين في الجنوب. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لـ«رويترز» إنه على ثقة من أن المشاركين في المحادثات عازمون على بذل «جهد أخير» لإيجاد حل. ولم يتم تحديد موعد لاجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث الراعية للمحادثات، وهي اليونان وتركيا وبريطانيا، لكن المسؤولين قالوا إنهم سيجتمعون مرة أخرى فور أن يعدل الجانبان مواقفهما. وأكد غوتيريس في افتتاح المؤتمر الدولي حول الجزيرة أن الاتفاق حول إعادة توحيد قبرص المقسمة منذ 42 عاما بات «قريبا» لكنه دعا إلى التحلي «بالصبر». وافتتح غوتيريس في أول رحلة له منذ توليه مهامه على رأس المنظمة الدولية خلفا لبان كي مون، مؤتمرا دوليا حول قبرص ضم الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس وزعيم القبارصة الأتراك مصطفى اكينجي ووزراء الخارجية البريطاني واليوناني والتركي والأوروبي. وقالت الأمم المتحدة إن المناقشات «أكدت اليوم عزم المشاركين على إيجاد حلول مقبولة من الجانبين بشأن الأمن وضمانات لتهدئة مخاوف الجانبين». وأضافت في بيانها «أقروا أيضا بالحاجة إلى معالجة المخاوف الأمنية التقليدية للطائفتين وتطوير رؤية أمنية في الوقت نفسه من أجل قبرص اتحادية موحدة في المستقبل». وتحاول الأطراف التوصل إلى اتفاق أمني بشأن وجود قوات تركية على الجزيرة وذلك جنبا إلى جنب مع مفاوضات سياسية بشأن تسوية اتحادية شاملة يطالب بها سكان الجزيرة. وطالب الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس بانسحاب نحو 30 ألف جندي تركي ينتشرون في الشطر الشمالي من الجزيرة، لكن الزعيم القبرصي - التركي يأمل على غرار أنقرة في بقائهم. وقال أناستاسياديس للصحافيين في جنيف إنه «علينا الاتفاق على انسحاب الجيش التركي» من قبرص، وهي خطوة اعتبرها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تعليقات متلفزة بثت في نفس الوقت تقريبا «غير قابلة النقاش». واعتبر إردوغان أن القبارصة اليونانيين وأثينا «لا تزال لديهم توقعات مختلفة» عن تلك التي لدى نظرائهم الأتراك الذين قال إنهم «يعملون بكثافة وحسن نية». وقال إردوغان عقب مفاوضات تاريخية جرت منذ مطلع هذا الأسبوع في جنيف إن «الانسحاب الكامل للقوات التركية من قبرص غير مطروح». وأضاف إردوغان في إسطنبول، إن تركيا لن تنسحب من قبرص ما لم تتخذ اليونان خطوة مماثلة. ونقلت وكالة الأناضول التركية عن إردوغان قوله إن «الوجود التركي. باقٍ في قبرص للأبد» وتفاوض أناستاسياديس واكينجي مطولا منذ الاثنين للتمهيد لهذا المؤتمر لكنهما لم يتمكنا من تسوية كل القضايا الخلافية بين المجموعتين القبرصيتين في الجزيرة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة «أريد أن أشيد بشجاعة وتصميم الرئيس القبرصي اليوناني نيكوس أناستاسياديس والزعيم القبرصي التركي مصطفى اكينجي» اللذين كانا يقفان إلى جانبه. وأضاف: «نحن قريبون جدا من تسوية». وتابع: «لكن لا يمكن أن تتوقعوا معجزات (...) لا نبحث عن حل هش سريع بل نبحث عن حل متين ودائم لقبرص». المؤتمر الذي وصف بـ«التاريخي» لأنه غير مسبوق بصيغته المتعددة الأطراف، مخصص لمناقشة الضمانات الأمنية لجزيرة قبرص موحدة فقط مع الدول «الضامنة» لأمن الجزيرة وهي اليونان وتركيا وبريطانيا القوة الاستعمارية السابقة. وحضر أيضا إلى قصر الأمم، المقر الأوروبي للأمم المتحدة، رئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر، ووزيرة الخارجية الأوروبية فيدريكا موغيريني، إذ إن الجمهورية القبرصية عضو في الاتحاد الأوروبي منذ 2004. ويقيم القبارصة الأتراك في الشطر الشمالي المحتل من الجزيرة، حيث أعلنت «جمهورية شمال قبرص التركية» من جانب واحد ولا تعترف بها سوى أنقرة. ومساء الأربعاء، تبادل أناستاسياديس واكينجي للمرة الأولى خرائط حول رؤية كل منهما للدولة الاتحادية المقبلة. وتسلم هاتين الوثيقتين وسيط الأمم المتحدة، النرويجي اسبن بارت ايدي، الذي أوضح أنهما ستحفظان لدى الأمم المتحدة. ورغم أنهم أقلية في قبرص، يسيطر القبارصة الأتراك حاليا على 37 في المائة من الجزيرة. وبحسب الإعلام القبرصي فإن الجانب اليوناني مستعد لمنحهم 28.2 في المائة من الدولة المقبلة في حين أنهم يطالبون بـ29.2 في المائة. ومنذ تقسيم الجزيرة، تشرف قوات الأمم المتحدة على «الخط الأخضر» وهو المنطقة العازلة المنزوعة السلاح التي تفصل بين المجموعتين. ولبريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة، قاعدتان عسكريتان في الشطر الجنوبي من الجزيرة. وخلال المفاوضات السابقة، عرضت بريطانيا إعادة 50 في المائة (117 كلم مربع) من الأراضي التي تشغلها قواعدها. ومساء الخميس تجمع نحو 200 من القبارصة اليونانيين في نيقوسيا احتجاجا على وجود عناصر من الجيش التركي في قبرص، وللمطالبة بـ«حق العودة» إلى الأراضي التي اضطروا إلى تركها، بحسب ما أفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية. وشهدت نيقوسيا تجمعات أخرى هذا الأسبوع دعما لجهود السلام في الجزيرة.
مشاركة :