المعلق الرياضي ياسر علي ديب يعتبر من المعلقين القليلين الذين يقودون خيال المشاهد من خلف الشاشات، ليشعروه وكأنه في رؤية حية على مدرجات المستطيل الأخضر. العربباسل الحمدو [نُشرفي2017/01/14، العدد: 10512، ص(13)] ياسر علي ديب عندليب الكرة الذي يسحر بثقافته الملايين برلين- هو ليس مدرباً ولم يَدرس أساليب التكتيك الكروية في الأكاديميات الرياضية المتطورة. لكنه يجيد قراءة المباراة كما لو كان مدربا محنكاً. ليس فناناً ولم يتدرّب قط على الإيقاعات الموسيقية لكنه كان يوماً ينافس كوكب الشرق أم كلثوم وعندليب مصر عبدالحليم حافظ بمعدل الاستماع المسائي، فأطرب الجماهير الرياضية بصوته المميز خلال حقبة طويلة من السهرات الكروية التي لم يكن يغيب عنها. هو من المعلقين القليلين الذين يقودون خيال المشاهد من خلف الشاشات، ليشعروه وكأنه في رؤية حية على مدرجات المستطيل الأخضر. إنه المعلق الرياضي السوري ياسر علي ديب. ميكرفون من أدوات المطبخ ولد محمد ياسر علي ديب في حي كفرسوسة الدمشقي عام 1959، هو الولد الوحيد من زوجة أبيه الثالثة. والده كان يكبره بأربعة وسبعين عاماً لحظة صرخته الأولى في الحياة، ظهر طموحه الإعلامي للمرة الأولى وهو لم يكمل العاشرة من عمره، تأثر علي ديب بصوت المعلق السوري الراحل عدنان بوظو، حينما كان يعلق على الأحداث الرياضية ويتلو نشرتها إذاعياً. لقد كانت اللعبة المفضلة لابن الأعوام العشرة تحويل الأدوات المنزلية إلى مجسمات تشبه الراديو، وكانت أداة سكب السوائل والشوربات “القُمع” الميكرفون الاعتباري الذي يتلو من خلاله ياسر نشرات الأخبار لجدته ووالديه. وفي ثانوية ابن خلدون حيث درس المرحلة الثانوية تحولت المجسمات إلى أدوات أقرب إلى الواقع الذي لطالما حلم فيه، الإذاعة الداخلية للمدرسة كانت منبراً ليطلق ياسر صيحاته ويُطلع طلاب المدرسة على آخر المستجدات الرياضية، لكن المسرح كان مختلفاً وعدد الجمهور كان أقل من الطموح بيد أنها كانت تجربةَ جيدةً ليكسر الشاب ابن الثمانية عشرة عاماً حاجز الخوف ويخرج من إطار مستمعيه العائلي. في حيه كان يمارس رياضة كرة القدم وكرة اليد، وهناك التقى بالصحافي الرياضي علي شحادة في إحدى دوريات الأحياء الشعبية وطلب منه الوصفة التي إذا ما سار عليها سيصل يوماً إلى شاشة التلفزيون. لكن طموحه الإعلامي اصطدم برغبة عائلته المحافظة ووالده الذي كان يأمل أن يراه محامياً كصديقه الحميم. دخل ياسر الشاب فعلاً كلية الحقوق في جامعة دمشق كما رغب والده، قبل أن تقوده المصادفة إلى الالتحاق بدورة المعلقين الرياضيين الهواة التي نظمها الاتحاد الرياضي السوري عام 1977. يروي لـ”العرب” تلك الذكريات “كان في التلفزيون السوري برنامج رياضي يقدمه إعلاميان هما الراحل عدنان بوظو ومعه ياسر النحلاوي، لقد كنت يومها أتخيل نفسي إلى جانب أحدهما، كان طموحاً أقرب إلى المستحيل، حتى أن عائلتي لم تصدقني عندما أبلغتها تجاوزي بنجاح مسابقة المعلقين”. ياسر علي ديب يصفه زملاؤه المعلقون العرب بأنه استطاع ذات يوم أن ينافس كوكب الشرق أم كلثوم وعندليب مصر عبدالحليم حافظ بمعدل الاستماع المسائي، فأطرب الجماهير الرياضية بصوته المميز خلال حقبة طويلة من السهرات الكروية التي لم يكن يغيب عنها. فهو من المعلقين القليلين الذين يقودون خيال المشاهد من خلف الشاشات كان رائد التعليق الرياضي العربي أيمن جادة شاهداً حياً على مسيرة علي ديب الإعلامية منذ خطواته الأولى حين تم اختياره أيضاً إلى جانب ديب في مسابقة المعلقين، وصفها جادة لـ”العرب” قائلاً “يتميز ياسر علي ديب بدقة الملاحظة وعمق الرؤية والقدرة على تحليل الأمور، أذكر أجمل اللحظات في العمل عندما كنا نتسلم أشرطة مباريات الدوري الإنكليزي لنعلق عليها وكأننا نتلقى هدية ونتقاسم من سيقدم هذه ومن سيقدم تلك” . عام 1978 وتحديداً في مونديال الأرجنتين كان الظهور الحقيقي لعلي ديب الذي علق على مباريات البطولة بدلاً من عدنان بوظو المتواجد في الأرجنتين، والتحق مطلع ثمانينات القرن العشرين بصحيفة الاتحاد الرياضي في عددها الأول، ثم عمل مراسلاً لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي وتلفزيون الشرق الأوسط، واختير فيما بعد ضمن الفريق العربي الموحد لاتحاد إذاعات الدول العربية المكلف بتغطية المونديال الأميركي عام 1994 ووصل صوته لأول مرة كل منزل عربي في المباراة الافتتاحية التي جمعت المنتخبين الألماني والبوليفي. كانت إطلالة مميزة ظهر فيها علي ديب بصوته الحماسي الذي يرسم إيقاعاً موسيقياً يبقي خلاله ذهن المشاهد معلقاً مع كل ركلة كرة ويترك انطباعاً أن متعة كرة القدم لا تعني فقط لحظة هزّ الكرة للشباك، كان يمتلك من الثقافة الرياضية ما يجعلك تشعر أن فيلسوفاً يمضي في شرح نظريته، وصفه صوت الكالتشيو المعلق الإماراتي علي سعيد الكعبي لـ”العرب” بالقول “ياسر إعلامي حقيقي من أخمص قدميه إلى رأسه العالية دوماً، يعيش الإعلام ويتنفسه في كل ساعات يومه ولذلك فهو إعلامي شامل، مراسلاً ومذيعاً وقارئ نشرة ومعلقاً، يعد تقاريره ويقرؤها بصوته، إعلامي بثقافة عالية واطلاع واسع، ملمّ بكل الأحداث الرياضية العربية منها والدولية، وهو من نوعية الإعلاميين الذين بإمكانهم الارتجال على الهواء دون نص مكتوب ومحاورة ضيوفه بكل أريحية، في المرات التي التقينا فيها معاً، وهي للأسف ليست كثيرة بحكم ظروف كل منا، وجدته نفس الشخص المثابر المحب لعمله والراغب دوماً في التقدم والوصول للأفضل، إنه مكسب لأي قناة تلفزيونية بدون شك”. رئيس الصدفة المنتخب غيابيا عشق علي ديب لنادي بردى الدمشقي يعود لأيام الطفولة وتحديداً عندما كان في الثانية عشرة من عمره وتابع الدوري السوري لأول مرة عبر المذياع في منزله الذي لم يكن فيه تلفاز، لكن عندما كان طالباً في الثانوية تأثر بمدرّسه في مادة الرياضة الأستاذ وليد الصباغ وهو أحد أبرز أعمدة نادي بردى الدمشقي عميد الأندية السورية وشغل فيما بعد منصب رئيس النادي، من هنا بدأت قصة ديب مع نادي بردى، لقد كانت كتلك القصص التي يرويها الدمشقيون ولا تخلو أحداثها من ذكر نهر بردى شريان دمشق النابض. قناة أوربت تشكل منعطفا كبيرا في حياة ياسر علي ديب الذي يقول عنها لـ«العرب»: فيها تتلمذت فنيا وتكتيكيا على يد أسطورة التحليل التونسية عبدالمجيد الشتالي. وفيها أمضيت أوقاتا أكثر مما أقضيه في منزلي، علقت على أكثر من 1500 مباراة خلال حقبة 21 عاما وبقي عشق بردى يشغل حيزاً كبيراً في قلبه رغم انشغاله بالعمل الإعلامي، وفي عام 1995 اختير علي ديب ليكون مدرباً في دورة المعلقين الرياضيين إلى جانب المصري حمادة إمام ورفيق خطواته الأولى أيمن جادة، وفي تلك الأثناء حدثت قصة غريبة يرويها لـ”العرب” قائلا “تلقيت اتصالاً من الحكم الدولي جمال الشريف يبلغني فيه بقرار انتخابي رئيساً لنادي بردى غيابياً خلفاً للمرحوم وليد الصباغ، كان موقفاً مفاجئاً لم أدرك حينها ما هو ردي الذي ينبغي عليّ فعله من هول تلك المفاجأة إلا أن الشريف ختم المكالمة قائلاً: وكمان انتصرنا عالجيش. كان يعني بتلك الجملة أن الأمور قد انتهت بل وحققنا فوزاً كان غير متوقع على نادٍ في أوج تألقه”. “خلال فترة ترؤسه للنادي لم نعهد أن جلس خلف الطاولة وأمامه أحد، كان متواضعاً وخلوقاً لدرجة أنه كان يعتبر فعل ذلك تكبراً وانتقاصاً من قدر الآخرين” كانت هذه كلمات الحكم المونديالي السوري جمال الشريف لـ”العرب”. في دمشق لم يبق لعلي ديب ما لم يحققه من طموحاته. علّق على كل البطولات وقدّم حتى البرامج الترفيهية والمنوعة وأسس شركة للإنتاج الفني. لكنه فكر أخيراً بكتابة سيناريو آخر لحياته المهنية. الرحيل إلى روما اختار مدينة روما الإيطالية لتكون مسرحاً لها، لم يكن المكان مسرح الكولوسيوم الروماني الشهير بل اختار صرحاً آخر لا يقل عن سابقه هيبة -شبكة أوربت الإعلامية- العملاق الإعلامي العربي العالمي آنذاك. وكان نهائي كأس إيطاليا الذي جمع اليوفي وأتلانتا شاهداً على أول صرخاته في شبكة أوربت ليلة الثامن عشر من شهر مايو 1996. يقول علي ديب عن تجربته في أوربت “أوربت حققت نقلة نوعية في تاريخي المهني، فيها تتلمذت فنياً وتكتيكياً على يد أسطورة التحليل التونسية عبدالمجيد الشتالي، وفيها أمضيت أوقاتاً أكثر مما أقضيه في منزلي، علّقت على أكثر من 1500 مباراة خلال حقبة 21 عاماً قضيتها ولازلت أقضيها في أوربت”. زميله السابق في أوربت المعلق القطري الشهير يوسف سيف يسرد لنا شريط ذكرياتهما معاً “أذكر جيداً عندما انضم إلينا ياسر في بداياته كيف كان إعلامياً مجداً مثابراً ومهنياً ملتزماً بواجباته حتى أبعد الحدود وبقي في ذات النفس مكافحاً وصبوراً، لقد كان إنساناً مرحاً يخفف عنا آلام الغربة”. عشق علي ديب لنادي بردى الدمشقي يعود لأيام الطفولة وتحديداً عندما كان في الثانية عشرة من عمره وتابع الدوري السوري لأول مرة عبر المذياع في منزله الذي لم يكن فيه تلفاز ووصفه المحلل الكروي اللبناني محمد حمادة “ياسر علي ديب حفظ المادة التلفزيونية عن ظهر قلب كمعلق وكمذيع على مدى سنوات طويلة. وحتى عندما تفرغ للعمل في أوربت في الرياض فإننا عملنا معاً في القاهرة مرات عدة. خفة الدم وسرعة البديهة ميزة من ميزاته، تماماً كغزارة معلوماته، وهي من ميزات المعلق والمقدم الرياضي الأساسية، أذكر جيداً حادثة طريفة عندما حاول محلل أن يتفلسف عليه في مباراة آسيوية، وكان أحد طرفيها منتخب كوريا الجنوبية وقد أصر هذا الأخير على أن كرة القدم ابتكرها الكوريون في القديم الغابر علماً بأنه لا يعرف إلا القليل القليل عن الكرة الآسيوية. مثل هذه المغالاة في التنظير لم تعجب ياسر المذيع في الأستوديو المباشر، أي على الهواء، فبادر إلى القول: صحيح ما تقوله، والفيلسوف الكوري سونغ ميونغ رونغ كان يتغنى باللعبة واعتبرها من أهم مقومات التراث في بلاده. هنا صرخ المحلل: مش قولتلك يا ياسر! ولأن ياسر لم يعد قادراً على التحمل صرخ بدوره : يا صاحبي لا يوجد فيلسوف اسمه سونغ ميونغ رونغ”. لجماهير برشلونة تفاصيل مميزة عالقة في الأذهان مع علي ديب تعود إلى موسم 2000-2001، عندما سجل البرازيلي ريفالدو هدفه التاريخي في مرمى فالنسيا بطريقة الدبل كيك وكان يومها علي ديب معلقاً على تلك المباراة ولم يتمالك أعصابه فأطلق عبارته الشهيرة التي وثقها محبو البارسا على اليوتيوب “فليسقط كل من يقول إن برشلونة لا يحتاج ريفالدو” في إشارة منه إلى المدرب الهولندي فان غال الذي أراد إخراج ريفالدو من حسابات برشلونة آنذاك. يستمتع المعلق الرياضي المتميز بقراءة كتب السير الذاتية ويعتبر كتاب بيل كلينتون “حياتي” كتابه المفضل ومن الشعر قصائد المتنبي لأنه يرى فيها عجائب اللغة العربية الفصيحة، تعجبه شخصية بيل غيتس العصامية التي تحدت الفقر وحققت نقلة نوعية في تاريخ العصر بإبداعاتها، ومن المعلقين يفضل الاستماع إلى المعلقين الخليجيين علي سعيد الكعبي ويوسف سيف، يجيد اللغتين الإنكليزية والإيطالية، ومن الأطعمة يفضل تواجد الزيتون في كل موائد اليوم وكذلك الحلويات، محلياً يشجع الوحدة الدمشقي وعربياً الهلال السعودي. أما روما وريال مدريد فهما الناديان المفضلان عالمياً لديه، قلبه يعشق المنتخب الإيطالي ولكن عقله يبقى دائماً مع المانشافت الألماني كما قال لـ”العرب”. :: اقرأ أيضاً رفسنجاني مرشد للإصلاحيين عرف كيف يدافع عن بقاء نظام سيرجي برين قلاع الإنترنت تكشر عن أنيابها في وجه ترامب
مشاركة :