محمد فاضل، وإنعام محمد علي، ومحفوظ عبد الرحمن، ويسري الجندي، ومحسن الجلاد، وأحمد صقر، ومحمد جلال عبدالقوي، وبشير الديك، وغيرهم أسماء كبيرة صنعت تاريخاً طويلاً بأعمال ناجحة شكلت ذاكرة الفن والدراما في العالم العربي لسنوات طويلة، ورغم ذلك فإنهم خارج اهتمام صانعي الدراما في مصر ولا تُعرض عليهم أعمال جديدة. في الوقت نفسه يبحث الصانعون عن كُتاب جُدد ويتحدث كثيرون عن أزمة إبداع ويلجأ البعض إلى المخرجين السوريين. هل يتعلّق الأمر بتهميش دور المخرج والمؤلف وسيطرة النجم، أم أن ظهور ورش الكتابة ونجاحها قلّل من الاعتماد على الكُتاب الكبار؟ وهل تراجع الدولة المصرية عن الإنتاج ساهم في إبعاد هؤلاء؟ يرى الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن أن ثمة إبعاداً مُتعمّداً للمخرجين والمؤلفين الكبار الذين يرفضون من جهتهم أيضاً المشاركة في هذا المناخ الفاسد، حيث سيطرة النجم على أمور المشروع كافة وتهميش دور الكاتب، فضلاً عن ظهور ما يُسمى ورشة الكتابة التي تهدف إلى تنفيذ طلبات الفنان جاذب الإعلانات من دون إبداع حقيقي يُذكر. عبد الرحمن يوضح أن «هذه الأمور غيّبت الكتّاب الناجحين في السنوات الأخيرة، مضيفاً أن ثمة مؤامرة على الثقافة المصرية عموماً والدراما خصوصاً، ولتنفيذها لا بد من إبعاد الكبار أصحاب التاريخ الذين شاركوا في بناء المسلسلات المصرية الناجحة عبر سنوات طويلة، في مقابل ظهور كُتاب جُدد لا موهبة ولا خبرة لهم ومنحهم أجوراً خيالية لتنفيذ الشكل الجديد للدراما الفاسدة». ويسأل: «هل كاتب كيسري الجندي يقبل أن يكتب مسلسلاً أثناء تصويره، أو يوافق على تدخّلات النجم وتوجيهاته والكتابة لأجله وإرضاء رغباته؟ بالطبع لا وهو أهم سبب لابتعادنا عن الساحة». المخرجة الكبيرة إنعام محمد علي ترى «أن دخول القنوات الفضائية ووكالات الإعلان في صناعة الدراما جعل من الأخيرة مشروعاً تجارياً وليس ثقافياً أو تنموياً، وبالتالي تغيّر المناخ وأصبح النجم صاحب الإعلانات هو المُحرك الرئيس للأمور كافة ويتعاقد الصانعون معه قبل المؤلف والمخرج، وهو من يختارهما ويقرّر فكرة العمل، وإذا حدث أي خلاف بينه وبين المخرج يُستغنى عن الأخير طبعاً، وذلك يرفضه كل من يحترم نفسه وتاريخه». وتضيف إنعام: «لجوء البعض إلى الصيغ الأجنبية كما في «طريقي» و«غراند أوتيل» يشير إلى نوع من الإفلاس والبحث عن الإبهار والنجاح المؤقت، وبالطبع محفوظ أو يسري لن يكونا طرفاً في هذه الأمور». إنعام تشير أيضاً إلى أن توقف الدولة المصرية عن الإنتاج سمح للقطاع الخاص بالسيطرة على صناعة الدراما، كذلك اختفت الأعمال التاريخية والدينية لأنها غير مربحة، لا سيما مع سيطرة العنصر المادي على الدور الثقافي. سيطرة المنتجي يصرّح المخرج الكبير مجدي أبو عميرة بأن أي مُبدع يحترم تاريخه واسمه لا بد من أن يبتعد عن هذا المناخ السيئ، حيث سيطرة المنتج أولاً وتدخله في الأمور كافة ومعه النجم الذي يُسوّق العمل باسمه، وكثيراً ما يقترح أحدهما الفكرة والأحداث، من ثم تراجع دور المؤلف والمخرج وظهرت ورش الكتابة التي تهدف في الأساس إلى تفصيل المشروع على هوى النجم. ذلك أدى أيضاً، بحسب أبو عميرة، إلى عدم توافر مؤلفين أكفاء بل تظهر في كل موسم أسماء جديدة ثم تختفي. وأضاف: «هل سمعت في السنوات الأخيرة أن ثمة مخرجاً رفض نصاً أو اعترض على عمل؟ بالطبع لا، لأنه لا يملك الاعتراض، بل يريد أن يعمل وفق شروط السوق الجديدة وانتهى الأمر». لتوقف الدولة عن الإنتاج دور كبير أيضاً في هذه الظاهرة، بحسب أبو عميرة، فهي كانت تهتم بتقديم أعمال جيدة ذات بُعد ثقافي، لذا كانت تلجأ إلى أسماء كبيرة لأنها تعرف قيمة إبداعها. كذلك أدى ذلك إلى اختفاء المسلسلات الدينية والتاريخية، وإلى تشابه مشاريع كثيرة في النص بسبب غياب الخطة أو التنسيق. شللية المؤلف أيمن عبد الرحمن يرى بدوره أن العمل في الفن قائم على الشللية والعلاقات الشخصية من الأساس، ولما كان ثمة كُتاب جُدد وشباب خرجوا من الساحة بسبب العلاقات الشخصية، فمن الطبيعي أن يغادرها الكبار أيضاً، موضحاً أن المناخ أصبح غير ملائم لهم والعمل يسير بطريقة لا تناسبهم. ويضيف: «أحد النجوم الشباب اختار فيلماً أميركياً وطلب من مؤلف تحويله إلى عمل درامي ثم سأل أحد المخرجين أن يهتم بإخراجه. هل يقبل فاضل ومحفوظ أن يقدما مثل هذا العمل؟ بالطبع لا». كذلك يشير إلى أن الدراما التلفزيونية الآن ليست بحاجة إلى مخرج، بل يكفي مدير تصوير يقوم بالمهمة. كذلك لا ضرورة لمؤلف موهوب، بل يترجم شاب يُجيد اللغات حوار فيلم ما مثلاً مع إضافات بسيطة. وهذا المناخ عموماً ضد الإبداع، وليس فحسب غياب الأسماء ذات القيمة والتاريخ. من جانبها، ترى الناقدة ماجدة خيرالله، أن السبب الرئيس لغياب المؤلفين والمخرجين الكبار توقف الدولة عن الإنتاج الدرامي بعدما كان معظم أعمالهم من إنتاجها لأنها كانت تعرف قدرهم وتاريخهم، والسبب الثاني تراجع أدوار صانعي العمل أمام سيطرة النجم الذي يتعاقد مع المنتج ويبدأ في اختيار الأدوار الرئيسة واسم العمل، ثم يبحث عن المؤلف الذي يكتب له الفكرة التي يريدها، وأخيراً يأتي المخرج! وتضيف خير الله أن مخرجاً كبيراً مثل محمد فاضل يرفض أن يأتي أخيراً والاكتفاء بتحريك الكاميرا وتصوير العمل، هو الذي كان يُكتب المسلسل أمامه من أول فكرة حتى السيناريو بالاتفاق مع المؤلف، كذلك كان يختار البطل ويُدير المشروع كما يشاء، ولن يقبل اليوم أن يتحوّل إلى فرد ضمن الفريق تحت إدارة النجم. وتختم: «الكبار لن يضحوا بتاريخهم ويشاركوا في هذا المناخ السيئ». رأي آخر يعتقد الكاتب الكبير بشير الديك أن الأمر ليس إقصاء أو ابتعاداً بل يتعلق بالعمر وسُنة الحياة، إذ يتراجع جيل ويتقدّم جيل آخر. ويضيف: «رغم قيمة الأسماء الكبيرة وقدرها الكبير فإن غالبيتها تجاوزت الـ70 وبات من الصعب عليها العمل مع إيقاع الحياة الجديد وسرعة إنجاز العمل واللحاق بموسم الدراما». كذلك يشير إلى أن سيطرة النجم واقتراحه الفكرة وتدخّله في عمل المؤلف والمخرج ليس أمراً وليد اليوم، بل قام به أنور وجدي مثلاً وفاتن حمامة ونادية الجندي وعادل إمام، لأن الجمهور يذهب لمشاهدة النجوم وتأتي الإعلانات والإيرادات باسمهم، ومن حقهم التدخل رغبة في تقديم عمل جيد، وربما يصيبوا أو يخطئوا في ذلك.
مشاركة :