القرار المناسب في الوقت المناسب

  • 4/5/2014
  • 00:00
  • 32
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي لا شك أن الأمر الملكي بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد جاء في الوقت المناسب، ليلجم كل التكهنات والمتربصين حول آلية انتقال الحكم في السعودية، وليرسل رسالة واضحة لا لبس فيها بأن استقرار المملكة لا يساوم عليه أحد، وكنا سمعنا وقرأنا الكثير من المقالات والتحليلات التي كانت تتحدث عن إشكالية ما بعد مرحلة عبدالله وسلمان، حتى وصل ببعض المحللين إلى تشبيه هذه المرحلة بمرحلة الاتحاد السوفياتي في الثمانينات، لكنهم لم تكن لديهم المعرفة والدراية بمدرسة عبدالعزيز، وحنكة خادم الحرمين الشريفين ومؤازرة ولي عهده الأمين، وكذلك الاتفاق على تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، فلا شيء فوق الوطن، لذلك رأينا شفافية في حيثيات القرار، والأخذ برأي الغالبية، ففي هذا النوع من القرارات ليس هناك غالب أو مغلوب، بل المستفيد الوطن والمواطن. كان تعيين الأمير مقرن ينم عن رؤية استراتيجية لديمومة الاستقرار السياسي والأمن والانتقال السلس للحكم في السعودية، فالاستقرار السياسي أهم ركائز الدولة واستمرارها، لذلك لا يمكن لبلد أن تستمر تنميته ونمو اقتصاده من دونه، وهو القوة الحقيقية للبلد، فمهما وصلت أي دولة من نمو اقتصادي وثراء، لن تشعر بالأمان بلا استقرار سياسي، يحفظ لها ديمومتها وثباتها، فمن الممكن أن تفقد أي دولة كل هذا الثراء والنمو في لحظات، والتاريخ يحمل من الشواهد الكثير في هذا الجانب، وهذا ما جعل مراقبين ومحللين يثمنون هذه الخطوة، ويعتبرونها نقطة محورية في التاريخ السياسي السعودي. كان لتفعيل هيئة البيعة في قرار تعيين الأمير مقرن الأثر الكبير في نفوس المواطنين والحريصين على مصالح الوطن، كما أن آلية التصويت على القرار، وذكر نسبة المؤيدين والمعارضين، ومن ثم الأخذ برأي الغالبية، تعزز أهمية دور هيئة البيعة ضامناً ومرجعاً لآلية الانتقال والاختيار للحاكم في النظام السياسي السعودي، وهو ما يؤكد الأهمية الكبيرة لإنشائها، ويجعل المواطنين يؤيدون قرار إنشائها ومتابعة قراراتها. القرار الملكي أعطى نوعاً من الطمأنينة لدى الشعب، فمن خلاله أُرسلت رسالة داخلية وخارجية، فداخلياً طمأن القرار جميع المواطنين بأن هناك حرصاً من الجميع على استقرار الوطن وراحة مواطنيه، أما إقليمياً ودولياً فقد كان له الأثر الكبير في طمأنة المستثمرين والمؤيدين والمراهنين على استمرار الدور السعودي البنّاء في المنطقة وفي العالم أجمع، فالمملكة من أكبر المنتجين والمصدرين للطاقة النفطية، فأي هزة سياسية تتعرض لها - لا قدر الله - ستنعكس سلباً على جميع أسواق العالم، لارتباطها الوثيق بالطاقة وتصديرها، إضافة إلى وجود الحرمين الشريفين في أراضيها، لذلك ينظر الجميع إلى السعودية كأحد عوامل الاستقرار والسلم العالمي. كان لي شرف مقابلة الأمير مقرن، في مجلس الشورى، وخلال زيارة مدير الجامعة السعودية الإلكترونية الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى له، وتهنئته مع وفد الجامعة بمناسبة تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، إذ تحدث عن قناعته بالتحول في استخدام التقنية في التعليم المدمج، وكذلك تجربته في المدينة المنورة في الحكومة الإلكترونية، وقد كان اللقاء شيقاً جداً، فالأمير مقرن شغوف بالتقنية وتطبيقاتها، وهو ما يُبرز جانباً إيجابياً من شخصيته بالانفتاح على كل ما هو جديد في التقنية واستخداماتها. كما قابلته خلال حضوره مجلس الشورى، وهو رئيس للاستخبارات، إذ قدم تقريراً للمجلس عنها، وكان حضوره محل تقدير من أعضاء المجلس. لقد اختير الأمير مقرن بن عبدالعزيز بناءً على معطيات من أهمها: التعليم والخبرة الإدارية والحنكة السياسية، فقد تخرج من بريطانيا من كلية الطيران عام 1968 طياراً حربياً، ودافع عن الوطن في حرب الوديعة، ثم عُيِّن أميراً لمنطقة حائل، ثم أميراً لمنطقة المدينة، ثم رئيساً للاستخبارات العامة، ثم مستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، ثم نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وعاصر الملوك فيصل وخالد وفهد وعبدالله، لذلك نهل من مدرسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن- رحمه الله -، وشارك إخوانه الملوك والأمراء في بناء الدولة وأسهم في تنميتها المستدامة، ونشأ في كنف إخوانه جندياً ومسؤولاً، وقبل هذا وذاك مواطناً، وهو ما أكسبه القرب من الناس ومعرفتهم، فازداد تواضعاً وانشراحاً عند مقابلته أي فرد، وهو ما نشاهده ونسمعه من كل من قابله، وكذلك يمتاز بأنه مستمع جيد، وهو ما لاحظناه في جميع لقاءاتنا معه. كل من قابله ويعرفه يعطيك رأياً يعزز دقة الاختيار، وهو ما توضّحه آراء أهالي حائل الذين يذكرون له ما قام به في حائل منذ تعيينه أميراً لها عام 1980، فالتنمية الزراعية والعمرانية كانت من أولويات اهتماماته في ذلك الوقت، فكانت الزراعة اهتمامه الأول في حائل، فأنشئت شركة حائل للتنمية الزراعية التي اندمجت مع شركة المراعي قبل عامين، وكذلك كان اهتمامه الأول في المدينة المنورة التقنية وتطبيقاتها، والبدء بالحكومة الإلكترونية، فكان من أوائل المنادين باستخدام الشبكة العنكبوتية في التعاملات الحكومية، وهو ما نراه اليوم في معظم الإدارات الحكومية. لقد أعطى هذا القرار الطمأنينة للمواطن العادي وجميع القطاعات المختلفة، الداخلية والإقليمية والدولية وعلى جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية حول استقرار المملكة وديمومتها، وحفظ للأجيال القادمة مقدراتها وتطلعاتها، فالسعودية دولة محورية في الفضاء الدولي السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، واستقرارها مهم للجميع. فشكراً يا خادم الحرمين الشريفين. إنه القرار المناسب في الوقت المناسب.     * أكاديمي سعودي.

مشاركة :