وافقت الفصائل العسكرية السورية المعارضة على المشاركة في مؤتمر آستانة، الذي تستضيفه عاصمة جمهورية كازاخستان برعاية روسية - تركية. وتحقق هذا الاختراق أمس إثر تذليل آخر العقبات التي كانت متمثلة في تردّد جبهة «أحرار الشام» بعدما بات مؤكدًا أن الوفد سيكون مقتصرًا على العسكريين، وتحديدًا قادة الفصائل التي وقّعت على الهدنة التركية – الروسية. وفي حين قال مصدر في «الهيئة العليا للمفاوضات» وآخر في «الجيش السوري الحر» لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفصائل وتحت الضغوط التي تعرّضت لها تراجعت عن شروطها، لا سيما وقف إطلاق النار الشامل»، أعلن زكريا ملاحفجي، عضو «المكتب السياسي» في «تجمع فاستقم كما أمرت»، موافقة الفصائل على الذهاب إلى كازاخستان، موضحا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» خلال اتصال به: «وإن كان القرار جاء مع استمرار خرق الهدنة، إنما وقف إطلاق النار سيكون بندا رئيسيا في جدول أعمال المؤتمر، إضافة إلى البنود الإنسانية المرتبطة بالشعب السوري، والتي هي ضرورية لأي حل سياسي في المستقبل». من جهة أخرى، أشارت مصادر مطّلعة على اجتماعات أنقرة لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنّ المخرج سيكون عبر اعتبار مفاوضات آستانة امتدادا للاجتماعات التي بدأت في أنقرة يوم الثلاثاء الماضي، وبالتالي، اقتصار البحث خلالها بين وفدي النظام والمعارضة على وقف إطلاق النار الشامل في سوريا. وبعدما كان أكثر من مصدر قد أشار إلى أن موسكو تسعى عبر هذا المؤتمر إلى تشكيل «مجلس عسكري مشترك» من المعارضة والنظام، قال القيادي المعارض عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط» بلهجة متحفظة، إن خلاصة اجتماعات أنقرة هي أن موسكو «لن تكتفي في مؤتمر آستانة بالمباحثات العسكرية والقرار 2254، بل المطلوب هو التوقيع على اتفاق سياسي جديد، وهو الأمر الذي لطالما كانت تحذّر منه المعارضة متمسكة بمقررات جنيف لأي حل سياسي». ويوم أمس عادت «الهيئة العليا للمفاوضات» وشدّدت عليه في بيانها الذي أصدرته بعد اجتماعها في الرياض، إذ في حين أكّدت «الهيئة» دعمها للوفد العسكري المفاوض واستعدادها لتقديم الدعم اللوجستي له، اعتبرت أن بحث المسار السياسي «مسؤولية دولية يجب أن تتم تحت مظلة الأمم المتحدة وبإشرافها الكامل، وأن تسير وفق المرجعيات القانونية المتمثلة في بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة». الحاج رأى أن «بيان الهيئة ليس قبولا مفتوحا، إنما هو دعم لقرار الفصائل ودعم عام لأي حل سياسي»، وأوضح: «كان هناك انقسام بين الفصائل حول قرار المشاركة أو عدمه. إذ في حين كانت تربط عدّة فصائل مشاركتها بقرار وقف إطلاق النار، ولا سيما في ريف دمشق والغوطة، أبدى (فيلق الشام) رفضه القاطع، بينما لم يمانع ممثلو (درع الفرات)، وربطت فصائل أخرى موافقتها بموافقة (أحرار الشام) التي كانت مترددة في قرارها خوفًا من المواجهة مع (جبهة النصرة)، لا سيما تلك المتواجدة قواتها مع الأحرار في ريف محافظة حلب الغربي والشمالي، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى اقتتال داخلي فيما بينها». هذا، وذكر أكثر من مصدر في المعارضة أن المشاركين في اجتماعات أنقرة، التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي، وكان عددهم مائة شخصية قبل انسحاب معظمهم واقتصار المفاوضات على قياديي الفصائل الذين وقعوا على الهدنة التركية – الروسية، تعرّضوا لضغوط كبيرة من قبل تركيا للموافقة. وذهب بعضهم إلى حد القول إن أنقرة هدّدت المعارضة بإقفال الحدود إذا رفضت الذهاب إلى كازاخستان. وإضافة إلى ضغوط أنقرة، يبدو أن موافقة الفصائل على المشاركة سيكون له تداعيات أو اعتراض من قبل بعض الأطراف المعارضة، وهو ما ظهر من خلال بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وما عبّر عنه القيادي في «الجيش الحر» في إدلب «أبو علي عبد الرحمن»، الذي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «التراجع عن الشروط التي سبق أن قدمتها الفصائل، ولا سيما منها، وقف إطلاق النار والمحافظة على الخريطة العسكرية الحالية، سيؤدي إلى سقوط ورقة هذه الفصائل شعبيا». وكانت «الهيئة العليا» الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية قد أعربت عن دعمها لمحادثات السلام حول سوريا المرتقبة في العاصمة الكازاخية آستانة، يوم 23 من يناير (كانون الثاني) الحالي برعاية روسيا وتركيا. وقالت «الهيئة العليا» في بيان أصدرته في ختام اجتماع لها استمر يومين في العاصمة السعودية الرياض، إنه فيما يتعلق باللقاء المرتقب في آستانة، فهي تؤكد «دعمها للوفد العسكري المفاوض واستعدادها لتقديم الدعم له، وتعبر عن أملها في أن يتمكن هذا اللقاء من ترسيخ الهدنة». كذلك أعربت عن أملها في أن يتمكن اللقاء «من بناء مرحلة الثقة عبر تنفيذ البنود 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، وبخاصة فيما يتعلق بفك الحصار عن جميع المدن والبلدات المحاصرة، وإدخال المساعدات وإطلاق سراح المعتقلين». ويذكر أن القرار 2254، الذي اعتمد في نهاية 2015، أقر خريطة طريق من أجل حل سياسي للنزاع السوري. وإلى جانب مفاوضات بين المعارضة والنظام وإعلان وقف إطلاق نار، ينص القرار على تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات. وأعلنت «الهيئة العامة»، من جانب آخر، أنها «تثمن الجهود المبذولة لنجاح لقاء آستانة باعتباره (خطوة تمهيدية للجولة القادمة من المفاوضات السياسية)» المرتقبة في جنيف الشهر المقبل. وأكد البيان أن «بحث المسار السياسي هو مسؤولية دولية يجب أن تتم تحت مظلة الأمم المتحدة وبإشرافها الكامل، وأن تسير وفق المرجعيات القانونية المتمثلة في بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة». وعبرت من ثم عن «رغبتها في استئناف مفاوضات الحل السياسي بجنيف دون أي شروط مسبقة، ما دامت هذه المفاوضات منطلقة من مرجعية بيان جنيف لعام 2012، والقرارات الدولية ذات الصلة، والتي رسمت مسار الحل السياسي». وكانت القوى الكبرى قد اتفقت في جنيف عام 2012 على مبادئ انتقال سياسي في سوريا، في ختام أول سلسلة من المفاوضات التي نظمت برعاية الأمم المتحدة والتي عرفت باسم «جنيف - 1».
مشاركة :