الموصل (العراق) - على الأقل للحظات قد لا ترى في بعض أجزاء الموصل ما يذكرك بأن حربا دائرة في المدينة بين القوات العراقية وإسلاميين متشددين ما زالوا يسيطرون على أكثر من نصفها. فالسيارات تتكدس في الشوارع ومنصات البيع تزخر بالمنتجات الطازجة والدراجات تشق طريقها وسط زحام السيارات مع خروج المدينة ببطء من القبضة الحديدية لحكم تنظيم الدولة الإسلامية المستمر منذ عامين ونصف العام. ومع تقدم القوات العراقية في المزيد والمزيد من مناطق أكبر مدينة يسيطر عليها التنظيم المتشدد بدأت الحياة تعود لطبيعتها بعض الشيء في الأحياء الشرقية التي استعادتها القوات في المراحل الأولى من الحملة التي بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر. لكن ما يذكر بالحرب وذكريات حكم المتشددين ليس ببعيد. وقال وسام (19 عاما) وهو يقطع اللحم لتقديمه لأحد العملاء في حي الزهور "نحاول أن ننسى." وأضاف "نحتاج لوقت - بعض الأمور حفرت في قلوبنا." وكانت السوق حول منصة البيع التي يقف عليها وسام مزدحمة بالناس الذين يتمتعون بالسير بحرية دون إزعاج من أفراد الحسبة الذين كانوا ينفذون أحكام تنظيم الدولة الإسلامية فيعاقبون الناس ويفرضون الغرامات ويجلدون بالسياط. وركض شبان وراء كرة في ملعب لكرة القدم بعضهم يرتدي السراويل الرياضية القصيرة التي كان من الممنوع ارتدائها في ظل حكم المتشددين. لكن لم تكن قمصانهم القطنية الرياضية تحمل أي شارات أو علامات تجارية التي كان التنظيم يعتبرها غير إسلامية ويطلب إزالتها خاصة تلك التي تحمل شارات تشبه الصليب. وقال أسامة (22 عاما) الذي يدير الملعب إن المتشددين أنفسهم كانوا يأتون في بعض الأحيان للعب الأمر الذي كان يدفع كل الآخرين للفرار خوفا من أن يقعوا في مرمى طائرات قوات التحالف التي تستهدف التنظيم المتشدد. وأضاف أسامة إنه في ظل حكم المتشددين كانت المباريات تتوقف في أوقات الصلاة وكان انتباه اللاعبين مشتت دائما بين النظر بعين إلى الكرة وبالأخرى إلى الشارع تحسبا لمرور دورية من دوريات تنظيم الدولة الإسلامية. وما زالت الآثار ظاهرة لقذيفة مورتر سقطت على أرض الملعب ولم يتبق في النوافذ سوى قطع صغيرة من الزجاج المهشم بعد انفجار سيارة ملغومة في مكان قريب عندما استعادت القوات العراقية حي الزهور في أوائل نوفمبر تشرين الثاني. وبقي الكثيرون في منازلهم خلال المعركة مخالفين توقعات بخروج جماعي للسكان من المدينة التي تردد أن نحو 1.5 مليون نسمة يعيشون بها. وبدأ الذين غادروا سواء أثناء القتال أو قبل ذلك في العودة رغم أنه لم يجر بعد إصلاح الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومنشآت الرعاية الصحية والمياه. واستأنفت البلدية العمل لكن تنظيم الدولة الإسلامية دمر أغلب معداتها وحول بعض سياراتها إلى سيارات ملغومة فاضطرت السلطات إلى استعارة سيارات من محافظات أخرى. وعند مفترق طرق مزدحم يحفر العمال الطريق لإصلاح أنبوب مياه دمر في غارة جوية. ومرت سيارة أجرة يغني ركابها على موسيقى مرتفعة ويرقصون في مقاعدهم. وقال رجل في المقعد الأمامي جاء من حي استعادته قوات الأمن لتوها "إنه شعور لا يوصف...لا يمكنني التعبير عنه." وما زالت بعض المركبات ترفع رايات بيضاء لتعريف ركابها بأنهم غير مقاتلين وصياح الديوك تقطعه زخات إطلاق نار وضربات مدفعية تُسمع من جبهة القتال القريب. وما زال الألوف يهربون من القتال في المدينة وبالنسبة لهم ما زالت الحياة أبعد كثيرا من أن تكون عادت إلى طبيعتها. وعند نقطة تجمع للنازحين على طريق الخروج من الموصل جلست أم محمد مع قليل من أمتعتها التي حملتها قبل أن تفر من حي سومر هذا الأسبوع والتي لا تزيد عن قليل من الملابس ونسخة من القرآن وقفص يضم ثلاثة عصافير ملونة. وقالت أم محمد إن زوجها طلقها بعد زواج دام عشر سنوات ليتزوج من أرملة احد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية قُتل في المعركة. وأضافت أن زوجته الجديدة أصرت على أن يطلقها بدلا من أن يبقي على الزوجتين. ولا تعترف السلطات العراقية بهذا الطلاق لأن الذي نفذه قاض من تنظيم الدولة الإسلامية لذلك فهي رسميا ما زالت متزوجة. وقالت أم محمد التي خلعت على عكس العديد من نساء الموصل النقاب الذي كان يفرضه التنظيم المتشدد على النساء "أنا متزوجة ومطلقة.. إنها حياة جديدة حياة غير واضحة."
مشاركة :