الشعبوية .. ظاهرة لغوية قبل أن تكون سياسية

  • 1/16/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوم الجمعة القادم سوف يتولى دونالد ترمب إدارة شؤون الولايات المتحدة ، التي توصف بأنها "دركي" العالم، حتى وإن تراجعت شرعية هذا الوصف في السنوات الأخيرة؛ بعدما ظهرت على الساحة الدولية، قوى جديدة استطاعت أن تشق عصى الطاعة، وتتمرد بعيدا عن القواعد التي انضبط لها العالم منذ نهاية الحرب الباردة.يرى عديد من المراقبين أن صورة الولايات المتحدة سوف تتأثر بشكل كبير في السنوات القادمة، بعد وصول واحد من رموز الشعبوية في العصر الراهن إليها إلى منصب الرئاسة، لا بل إنه من منظور الغالبية العظمى أكبر شعبوي في تاريخ السياسة الحديث. من السهل إقناع العوام من غير المتابعين للتاريخ السياسي في هذه المصادرة الجوفاء؛ بما في ذلك من يعيشون داخل أمريكا، خصوصا في زمن اللايقين السياسي أو ما اصطلح عليه - حديثا جدا - حقبة "ما بعد الحقيقة"، حتى وإن كان الواقع وعبر تاريخ طويل نقيض ذلك تماما.لقد كتب مشيال كزين (Michael Kazin) أحد أهم مؤرخي اليسار الأمريكي المثيرين للجدل ، قبل ما يزيد على عقدين من الزمن، وتحديدا سنة 1995، كتابا بعنوان: "الإقناع الشعبوي: تاريخ أمريكي" (The Populist Persuasion: An American History)، الذي يستعيد فيه تاريخ الشعبوية منذ سنة 1890 مع حزب الشعب حينها إلى وقتنا الراهن، مركزا في المقام الأول اهتمامه على الجانب اللغوي؛ أي الخطاب، فالشعبوية من وجهة نظره ظاهرة لغوية بامتياز، وطريقة مرنة للإقناع قبل أي شيء آخر.باختصار، نجد أن الخطاب الشعبوي يتميز بالتبسيط الشديد لقضايا معقدة، حيث إنه يتوجه إلي رجل الشارع العادي البسيط، كما يتميز بطغيان الجانب العاطفي والوجداني؛ إذ إن هذه الحركات تتغذى على مشاعر الغضب والخوف عند عامة الناس. يقوم هذا الخطاب أيضا على وجود حالة من الاستقطاب بين "الشعب" الذي تمثله الحركة بما تحمله من عنصرية وقومية وإقصاء، وطرف "آخر" يشكل هدفا للوم والغضب والحقد، بوصفه السبب في المشاكل التي يعانيها الشق الأول من الشعب.كانت الشعبوية يسارية في الأصل قبل أن تنقلب إلى ضفة أصحاب اليمين، فالمعروف تاريخيا أن الخطاب الشعبوي سائد في بين نخب اليسار التي توجه غضبها إلى النخب والشركات ذات الصلة بالحكومة، التي تتنكر حتى لا نقول تخون الرجال والنساء الذين يقومون بالأعمال الأساسية في البلاد.بحلول عام 1940 بدأت هجرة الشعوبية من اليسار نحو جناح اليمين، في رئاسيات ريتشاد نيكسون ورونالد ريجان، حين استمد هؤلاء مرجعيتهم من مفهوم "الشعب"، دون تعريف أنفسهم على أنهم من مؤيدي أو معارضي أي جماعة عرقية أو دين. سياسيا تنتمي هذه الجماعة إلى التيار الليبرالي في الحياة السياسية الأمريكية، ويمثلون شكلا من أشكال "القومية المدنية"، التي تقوم على أساس الاعتقاد في المساواة بين جميع البشر، في حقوقهم في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة، وفي الحكومة الديمقراطية التي تستمد شرعيتها من موافقة الشعب.عقب الحرب العالمية الثانية تبلورت ملامح شعبوية يمينية في الولايات المتحدة . وتولى كيفين فيليبس أحد مخططي حملة ريتشارد نيكسون الرئاسية في 1968، صوغ تأويل عام للتاريخ السياسي الأمريكي، تقوم منه الظاهرة الشعبوية مقام القلب والركن.يستغرب كثيرون اليوم من المواقف التي يصدح بها علانية دونالد ترامب الرئيس المنتخب للولايات المتحدة ضد المهاجرين، ورؤيته تجاههم وبشكل خاص القادمين من البلدان الإسلامية، ويتناسون أن الكونجرس الأمريكي مرر عام 1882 قانون استبعاد الصينيين، ليكون بذلك أول قانون يصدر يقضي باستبعاد مواطني دولة من ولوج الأراضي الأمريكية. بداية القرن العشرين، تكرر الأمر مجددا مع اليابانيين ممن اعتبروا جواسيس للإمبراطور مما مهد الطريق وشرعن عملية النقل القسري لأزيد من 100 ألف أمريكي ياباني. وحتى يضمن الشعبويون لخطابهم النصر والتمكين يلزم أن يجدوا مشجبا لتعليق كل المشاكل أو ضحية تجلد عقب كل تجمع جماهري أو خطابا تلفزيونيا للجهمور. وهنا تظهر واحدة من أكبر المشاكل التي المرتبطة بنشأة وانتشار الحركات الشعبوية في العديد من البلدان، يتعلق الأمر بذاك الانزلاق نحو باب العنصرية والتحيز، حيث تحمل جماعة ما، بدون أسس عقلانية، مسؤولية المشاكل التي يواجهها المجتمع، كما هو حال المسلمين اليوم في أوروبا، ويضاف إليهم المكسيكيون في الولايات المتحدة.وجب التنبيه في هذا السياق إلى أن الرجل؛ أي مشيال كزين لم يتراجع قط عما تضمنه هذا المؤلف، الذي انقضى عقدين من الزمن على تأليفه، وإن كان يبدو وكأنه ألِّف في السنوات أو الأشهر الأخير. وما يزيد من تأكيد راهنية الكتاب العودة إلى مضامينه في مقالة علمية له نشرت حديثا، في عز الانتخابات الأمريكية، بعنوان " ترامب والشعبوية الأمريكية ". يتكشف من خلالها أن الشعوبة جزء متأصل في التأريخ الأمريكي، كلما هناك أن حقبة عودتها تزامنت مع صعود أمثال هذا الرجل.نختم بسؤال مركزي ظل وفقا للكاتب معلقا، مفاده أن المدافعين الشعبويين عن قيم واحتياجات الغالبية التي تعمل بجد، ورغم ذلك ظلت الشعبوية - لفترات طويلة - مفهوما غامضا ومتنازعا عليه اختلف العلماء في كيفية توصيفه، وما إذا كان عقيدة أو أسلوبا أو استراتيجية سياسية أو حيلة تسويقية أو مزيجًا مما سبق. Image: Author: محمد طيفوري من الرباط publication date: الاثنين, يناير 16, 2017 - 03:00

مشاركة :