"طائرة أم الركب" بين السماء والأرض

  • 4/5/2014
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

في الأيام القليلة الماضية كانت طائرة أم الركب حديث المجتمع، وكانت هناك متابعات لرحلتها المكوكية الأرضية من المدينة المنورة إلى مثواها الأخير بأم الركب في طريق الطائف بمنطقة عسير، وقصتنا مع هذا النوع، أو الطراز من الطائرات ليست بجديدة، بل كانت مشكلة في السنوات الماضية، حيث كان هناك ضغط كبير على رحلات مطار أبها، وتم التفكير لتشغيل هذا النوع من الطائرات لبعض الرحلات إلى أبها، ولكن مواصفات المطار في ذلك الوقت كانت لا تسمح لهذا النوع من الطائرات بالهبوط لأن المدرج غير مهيأ لها، وتمت توسعة المدرج بالشكل الذي يناسبها، وبدأت في نقل الركاب من وإلى أبها، ولكنها لم تستمر في الخدمة طويلا، فقد بدأ كثير منها بالتقاعد لأسباب مختلفة، ومنها طائرة أم الركب، وهذه هي قصة الطائرة عندما كانت تحلق في السماء، أما في هذه الأيام فقصتها مختلفة تماما، ولم يكن المدرج هو المشكلة، أو العائق، بل كانت شوارعنا، وطرقاتنا هي العائق أمام هذا النوع من الطائرات، فطرقنا، وشوارعنا مصممة للسيارات الصغيرة وليست للطائرات الكبيرة، حتى السيارات الكبيرة لا تناسبها طرقاتنا، ومع ذلك فقد تم نقل هذه الطائرة من المدينة المنورة إلى أبها من خلال تجزئتها إلى أجزاء مختلفة، وصاحب حركة الطائرة على الأرض العديد من المشكلات، ومن أهمها قطع التيار الكهربائي عن المدن، والمحافظات، والقرى، والهجر التي مرت بها، وقد نتج عن ذلك أضرار كثيرة نتيجة لقطع التيار عن المنازل، والمؤسسات، والشركات، والمدن الصناعية، وغيرها من المنشآت. كما تم حل جميع أعمدة الإنارة في الشوارع التي مرت عليها قافلة طائرة أم الركب، وتم تركيب بعضها بعد ذلك، وهذا فيه عبء على الجهات المسؤولة عنها، كما تم التخلص من بعض الإشارات التي كانت في طريق الطائرة، وأدى ذلك إلى ارتباك الحركة المرورية، ونتج عن ذلك بعض الحوادث المرورية، والازدحام الناتج عن إعادة تركيب هذه الإشارات. ولم يقتصر الأمر على انقطاع التيار الكهربائي والجوانب المتعلقة به من بداية انطلاقها من المدينة المنورة إلى مقر وصولها في أبها، بل تعدى ذلك إلى قطع الأشجار التي تزين بعض الشوارع والتي يزيد عمرها عن عشرين عاما، فقد تم قطع الأشجار التي تعترض طريق هذه القافلة بطريقة غير حضارية، وبعضها تم الضغط عليه بالمعدات الثقيلة ليميل في الجانب الآخر من الشارع، ثم تم التخلص منها في اليوم التالي بالقطع، كما تم كسر بعض الأرصفة لتستطيع السيارات التي تقل الطائرة المرور، وأنا على يقين بأن إعادة بناء هذه الأرصفة لن يكون مقاربا لشكلها الأول لأن ما يتم هو عملية ترقيع، وهذا بدوره يؤدي إلى تشويه مناظر شوارعنا. وتم التخلص من جميع المطبات الاصطناعية التي كانت في نطاق حركة قافلة طائرة أم الركب، كما لم تسلم كاميرات "ساهر" من التعطيل لمدة يوم، وبذلك أتيحت الفرصة للمخالفين لممارسة مخالفاتهم المرورية في ضوء غياب ساهر في هذه الفترة؛ فالبينة التحتية في طريق الناقلات التي كانت أجزاء الطائرة رابضة عليها تأثرت بشكل كبير، ولن تعود لحالتها الأولى، مهما كانت الظروف، مما أدى إلى تشويه بعض المنجزات المتواضعة في الأصل. وحقيقة الأمر أن عملية النقل لم يكن مخططا لها، وكانت عشوائية بشكل كبير، وعليها ملحوظات عديدة، وكان بالإمكان أن يتم نقلها بطرق أكثر فاعلية، وأقل كلفة، هذا في حالة الاقتناع بالفكرة من الأساس من حيث تحويل هذه الطائرة إلى مطعم يجذب الزوار، بالرغم من أن الفكر السائد عن الطائرة هو نقل المسافرين جوا بين محطات مختلفة والتحليق في السماء، وليس مطعما رابضا على سفح جبل. كما أنه لم تتم دراسة الخيارات البديلة لهذه الطائرة بشكل جيد؛ فكان بالإمكان أن يتم بناء هيكل طائرة من خلال تنفيذ التصميم المرغوب فيه من قبل بعض الحدادين المنتشرين في أماكن مختلفة خارج المدن الصناعية بالمنطقة، حيث عجزت الأمانة والبلديات عن إغلاق هذه الورش المخالفة. وهناك خيارات عديدة يمكن أن يتم تنفيذها كمطعم، أو سلسلة مطاعم في منطقة عسير مثل بناء عدد من القصبات التي تشتهر بها المنطقة الجنوبية، أو بناء قصر أو أكثر من القصور التراثية، سواء من الحجر، أو من اللبن، ويتم تكييفه على شكل مطعم. هناك خيارات عديدة أفضل بكثير من فكرة الطائرة كمطعم يمكن من خلالها تعريف المصطافين وزوار المنطقة بالمقدرات الثقافية، والتراثية التي تفخر بها المنطقة، وعندما نتحدث عن ضحايا الطائرات نجد أنها تحدث في الجو كالانفجار، أو عندما تصطدم بالأرض، أو غير ذلك من المشكلات، أما طائرة أم الركب فدخلت التاريخ من أوسع أبوابه من خلال تعدد ضحاياها، ونوعيتهم، وكيفية حدوث ذلك.

مشاركة :