ما السرّ وراء «التحوّل» الذي طرأ على المشهد اللبناني الذي انتقل من «شيْطنة» ما يُعرف بـ «قانون الستين» او «قانون الدوحة» الذي جرتْ على أساسه انتخابات العام 2009 النيابية، الى التمهيد التدريجي لمعاودة العمل به في استحقاق مايو 2017 عبر مواقف متوالية أشبه بـ «الفرق السبّاقة» التي تبرّر هذا «الارتداد» بدخولِ البلاد في «سباقٍ قاتِلٍ» مع المهل الفاصلة عن انتهاء ولاية البرلمان ووجوب دعوة الهيئات الناخبة كما بـ «استحالة» التوافق على قانون جديد يبقى بلوغه أشبه بالبحث عن «جنس الملائكة»؟ وطغى هذا السؤال على الواقع اللبناني، أمس، وصار «الشغل الشاغل» للأوساط السياسية التي انهمكتْ في «التقصي» عن خلفيات شبهِ «التسليم» المحلي المتدحرج بأن «الاستسلام» لقانون الستين صار أمراً واقعاً ولو «بالأحرف الأولى»، وسط محاولاتٍ برزتْ من أوساطٍ في 8 آذار لـ «رمي» كرة العودة الى هذا القانون في «ملعب» الاعتبارات الخارجية وتحديداً مقتضيات ترجمة «إعلان النيات» الذي رافق زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون للسعودية، ولا سيما لجهة حفظ التوازنات الداخلية وضمان عودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات، كامتدادٍ للتسوية التي كانت باركتْها كل من الرياض وطهران وأفضتْ الى دخول عون القصر الجمهوري واستعادة الحريري «مفاتيح» السرايا الحكومية. وفي حين رأتْ دوائر سياسيّة في بيروت عبر «الراي» ان محاولات «إلباس» عملية «إعادة الروح» لقانون الستين الى موجبات مرحلة «الاختبار» التي وُضع معها لبنان الرسمي في ضوء «الصورة الجديدة» التي قدّمها الرئيس عون في الرياض، تنمّ عن مسعى لـ «تقزيم» نتائج زيارة رئيس الجمهورية للسعودية وحصْر اهتمام المملكة بلبنان بزاوية ضيّقة تتّصل بالموقع السياسي للرئيس الحريري، وأيضاً الرغبة في وضْع زعيم «المستقبل» في صدارة «قفص الاتهام» بأنه «صاحب المصلحة» في الإطاحة بمساعي استيلاد قانون جديد، أكدت ان الاعتبارات اللبنانية هي التي تتحكّم بمسار قانون الانتخاب، وسط إجماع القوى السياسية على استحالتين: الاولى التمديد مرة ثالثة للبرلمان، والثانية التوافق على بديل لـ «الستين» يتضمّن نظام الاقتراع النسبي الذي يحتاج الى «تفصيله» على قياساتٍ «متعددة الطبقة»، طائفية ومذهبية وحزبية ومناطقية بحيث يراعي معيار تصحيح التمثيل الطائفي الذي يرفعه المسيحيون، ورفْض «تيار المستقبل» ان يكون «سيفاً» لـ تحجيمه، وهو ما يتم حساب نتائجه في السياسة باعتباره «ميزاناً» للتوازنات السياسية الداخلية والإقليمية. ومن هنا، اكتسبت 4 مواقف بارزة أهمية كبيرة عكستْ ان «قانون الستين» خرج من «الحظيرة» وأن «الحظر» الذي كان مرفوعاً عليه، صار بحكم المرفوع، إما من باب الواقعية السياسية او المصلحة في تمرير المرحلة المفصلية في المنطقة بالإبقاء على «الستاتيكو» الداخلي وموازين القوى فيه على حالها كما أفرزتْها انتخابات 2009، مع فارق ان تحالف «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية) و«القوات اللبنانية»، ناهيك عن وجود «الرئيس القوي» في قصر بعبدا سيكون كفيلاً بتصحيح التمثيل المسيحي ولو تحت سقف «قانون الدوحة» بعد إدخال تعديلات طفيفة عليه، وهذه المواقف هي: * ما نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري من ان الانتخابات حاصلة في موعدها وفق قانون الستين، ولا مجال لإقرار القوى السياسية أي قانون آخر الآن، مبدياً انزعاجه من التوجه الى «التركيز على الستين. ولم يعد هناك المختلط ولا التأهيل، وهما لا يأخذان الحيز المطلوب من النقاش. كأن الستين أصبح أمرا واقعاً، وهكذا تتعامل معه غالبية القوى السياسية». * كلام النائب آلان عون الذي فُسّر على انه يوحي بأن «التيار الحرّ» لن يخوض «معارك» سياسياً لمنْع إجراء الانتخابات وفق قانون «الستين»، اذ اعلن «ان ثمة مَن وضعنا امام خيارين مُرّين لا ثالث لهما؛ إما تجرّع كأس التمديد الثالث لمجلس النواب الحالي مع ما ينطوي عليه هذا الامر من سلبيات وتداعيات على المجلس نفسه وعلى اللعبة الديموقراطية في البلد، وإما الذهاب الى الانتخابات في موعدها المبدئي وفق قانون الستين»، معتبراً أن الكلام الذي يردّده البعض عن أن القبول بانتخابات في موعدها على أساس القانون الحالي بمثابة ضربة سياسية للعهد الرئاسي الجديد هو كلام مبالغ فيه «لان الجميع من دون استثناء يدرك حجم الجهود التي بذلناها نحن كفريق سياسي للوصول الى مرحلة التفاهم على قانون جديد (...)». * موقف وزير «حزب الله» محمد فنيش الذي أوحى ضمناً بتسليمٍ بأن الأمور سترسو على «الستين»، وأعلن فيه أنه «إذا لم يتم الاتفاق في الوقت المتبقي بين القوى السياسية على قانون للانتخاب، واستمرت بعض القوى بتمرير الوقت، وفي حين أنه لم يعد ممكناً التمديد لمجلس النواب، فإن ذلك سيجبرنا للوصول إلى مواجهة الواقع، والإبقاء على القانون المعمول به في الانتخابات، وهو قانون الستين الذي ترْجُمه وتلعنه كل القوى السياسية في الظاهر، إلا أن البعض يبدو أنه يتمنى ويسعى ضمناً لاستمراره». * انطلاق حملة علنية من الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط ضدّ اي نسبية في قانون الانتخاب ومع النظام الأكثري المعمول به في قانون الستين والإبقاء على منطقتيْ الشوف وعاليه (دائرتي نفوذه) دائرة انتخابية واحدة، وهو ما بدأ وفد من كتلته امس بإبلاغه الى مختلف القوى السياسية التي كانت غالبيتّها أعلنت، بعدما فتح جنبلاط «النار» على النسبية، انها لا يمكن ان تسير بأي قانونٍ لا يوافق عليه، وهو ما اعتُبر «احتماءً» بزعيم المختارة الذي وفّر للجميع «درعاً واقية»، عنوانها مراعاة الطائفة الدرزية (التي تُعتبر مكوّنة للكيان اللبناني) للتراجع عن تعهداتها بإقرار قانون جديد.
مشاركة :