مهرجان الصحراء الدولي في دوز"، بمحافظة قبلي (500 كلم جنوب تونس العاصمة) بالشاعر التونسي الراحل محمد المرزوقي. ويمثل الاديب والمؤرخ والشاعر التونسي وفقا لنقاد ذاكرة الادب الشعبي في تونس. وعرف مَحمد المرزوقي بكثرة إنتاجه حيث صدر له أكثر من ثلاثين كتابا. ويقدم مهرجان الصحراء بدوز الذي ترعاه وزارتي السياحة والثقافة، عروضاً، وفقرات فلكلورية، ومسابقات خيل وجمال، وحفلات فنية، ومسرحية وسط المدينة. ويقدم المهرجان لجمهوره أنشطة عديدة تحاكي الصحراء والحياة البدوية لسكانها، علاوة على تنظيم سباق للخيل، ومسابقة الصيد بكلاب السلوقي والأعراس التقليدية. ويعود تاريخ المهرجان لسنة 1910، وحمل اسم "عيد الجمل"، كانت فرنسا خلاله (استعمرت تونس من سنة 1881 إلى 1956) تختار أفضل الخيول والجمال و كذلك الرجال من أجل إلحاقهم بجيشها. ويفترض أن ينظم المهرجان بشكل سنوي، غير أنه تعثر في سنوات ماضية لأسباب مختلفة. وقد عكف الشاعر التونسي المرزوقي اصيل محافظة دوز بالجنوب التونسي على دراسة الادب الشعبي ورواده بتعمق مما اهله لوضع كتاب قيم جمع فيه اغراض الشعر الشعبي واوزانه. كما كان له برنامج اذاعي اسبوعي بعنوان "ديوان الادب الشعري" والذي اهتم فيه بالخصوص بالشعر الملحون. وتناول المهرجان مقتطفات من سيرة المحتفى به ابتداء من مراحل حياته المبكرة والتحاقه بالمدرسة الابتدائية بنهج الكنز "سوق البلاط" سنة 1927 ثم بجامع الزيتونة حيث تحصل سنة 1944 على شهادة التحصيل الى غاية عمله بوزارة الثقافة وتقلده عديد المناصب الادارية. كما تحدث عن مختلف المجالات الابداعية التي طبعت مسيرة محمد المرزوقي 1916 الى 1981 وخاصة منها المتعلقة بالتاريخ على غرار كتبه حول "معركة الزلاج"، وهو كتاب مشترك مع الجيلاني بن الحاج يحيى، أرخا فيه للمصادمات التي وقعت عام 1911 بين التونسيين والقوات الاستعمارية حول مقبرة الزلاج، وصدر عام 1961. و"الدغباجي، حياته وأعماله"، وقد أرخ فيه لأحد أشهر المقاومين التونسيين وصدر عام 1969. و"ثورة المرازيق"، بالاشتراك مع علي المرزوقي، الطبعة الأولى 1979. و"دماء على الحدود"، وقد اهتم فيه بثورة عام 1915 بالجنوب التونسي وعلى الحدود التونسية الليبية. و"صراع مع الحماية"، وموضوعه حركة المقاومة التونسية عند الاحتلال عام 1881، وقد صدر عام 1973. و"عبد النبي بلخير: داهية السياسة وفارس الجهاد"، وقد اهتم فيه بأحد أعلام الجهاد الليبي ضد الإيطاليين، وصدر عام 1978. و"قابس جنة الدنيا"، وقد أرخ فيه لمدينة قابس، وصدر عام 1962. كما تميز الاديب والشاعر الراحل في مجال الادب الشعبي والسيرة الهلالية بتاليفه لكتب "مع البدو في حلهم وترحالهم" و"الجازية" وقصة "ام عباس" التي تحولت الى مسرحية ثم الى فيلم سينمائي تولى بنفسه كتابة الحوار. وابرز كذلك باسهامته في اثراء خزينتي الرشيدية والاذاعة التونسية بعدة قصائد في شتى الاغراض الادبية مثل الوطنيات والدينيات والغزليات فضلا عن تعامله مع ابرز الملحنين التونسيين امثال خميس الترنان في اغنية "غزالي نفر" للفنانة صليحة التي تغنت ايضا باشعار المرزوقي من خلال "عيون سود مكحولين على المسمية" لحن محمد التريكي و"حبيتها ملقيت منها منجى" لحن صالح المهدي. ويستعرض المهرجان عبر الفن الشعبي اهم ماتميز به الشاعر الراحل من صدق في التعامل مع ما يكتبه للثقافة وللوطن والثورة والحب. وافتتح المهرجان فعالياته بلحمة "بِيضْ الزْمَايِلْ"، وتعني اللهجة التونسية المحلية، العمائم البيضاء التي يغطي بها البدو قديما رؤوسهم للوقاية من البرد شتاء وحرارة الشمس صيفا. وتحاكي الملحمة التي عرضت "بساحة حنيش" وسط مدينة دوز، الجمعة، قافلة للبدو الرحل تتنقل في عمق الصحراء التونسية بحثا عن الماء والمرعى للمهاري وخيولهم العربية الأصلية ودوابهم. وعندما يعثر هؤلاء البدو على بئر ماء يستقرون حوله لفترة طويلة، ويمارسون حياتهم اليومية من ألعاب شعبية وتدريس للقرآن الكريم الذي يتلقاه الأطفال. وقبل استئنافهم للرحلة يتعرّض بدو القبيلة إلى غزو من قطّاع طرق يفتكون بأرزاقهم، فتحلّ المصيبة بالجميع لأشهر عديدة. ومع مرور الزمن تنمو قصة حبّ في أحضان الطبيعة بين فارس شاب وفتاة تتردد على البئر، ويبلغ الخبر مسامع شيخ القبيلة تزامنا مع النجاح في تخليص القافلة من الغزو، فتعمّ الفرحة القبيلة ويتزوّج الفارس الفتاة في عرس تقليدي. قال مخرج العمل منصور الصغير "هو دعوة للتمسك بعروبتنا وعاداتنا وتقاليدنا التي تقوم على قيم الأصالة والشموخ". وأضاف الصغير " أردنا من خلال الملحمة إحياء المظهر التراثي الصحرواي البدوي في بلادنا". من جانبه قال بلقاسم جابر الباحث في التراث الشعبي بدوز بأن "عنوان الملحمة مفعم بدلالته الرمزية التراثية العميقة مضيفا بأن "بيض الزمايل"، هم أهل الحكمة والصحراء والبداوة الذين يختزلون القيم البدوية العريقة من غيرة وفتوة والكرامة التي رسخها مهرجان دوز الذي تأسس سنة 1910.
مشاركة :