كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية، نشر أمس (الثلاثاء)، أن القوانين الشاملة لمكافحة الإرهاب والتي فرضها عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، غير متناسبة وتقوض الحريات الأساسية. وقالت المنظمة إن مجموعة كبيرة من القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب في أنحاء أوروبا تنطوي على تمييز ضد المسلمين واللاجئين، بما يتسبب في نشر الخوف والشعور بالغربة. وأطلقت المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان جرس الإنذار بسبب إجراءات أمنية تبنتها 14 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي على مدى العامين الماضيين بما شمل توسيع سلطات المراقبة. وخلال تلك الفترة تسببت هجمات المتشددين في قتل نحو 280 شخصًا في فرنسا وبلجيكا وألمانيا. وأججت الهجمات التي أعلن تنظيم داعش المسؤولية عن أغلبها التوترات بشأن الهجرة وزادت من شعبية الأحزاب اليمينية، وجعلت من الأمن موضوعًا رئيسيًا في الانتخابات الفرنسية والهولندية والألمانية المقبلة. وحلل التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، قانون مكافحة الإرهاب الذي مررته 14 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي على مدار العامين الماضيين، ووجد أن هذه القوانين عادة ما تعزز سلطات الحكومة، لزيادة المراقبة وتقييد حرية التعبير. ووجد التقرير أن سلطات المراقبة قد تم تعزيزها في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا والمجر والنمسا وبلجيكا وهولندا وغيرها من الدول، مما يسمح للحكومات بالوصول إلى بيانات خاصة بملايين الأشخاص. وقال جون دالهويزن مدير برنامج أوروبا في منظمة العفو الدولية: «لا شك في أن الإرهاب يمثل تهديدًا واقعيًا يستوجب الرد عليه بحزم، ولكن ينبغي أن يتمحور دور الحكومات حول توفير الأمن للناس بما يكفل تمتعهم بحقوقهم بدلاً من أن تقوم بتقييدها باسم الأمن». وأضاف أيضًا في تصريحات على موقع المنظمة الدولية: «توظف حكومات بلدان الاتحاد الأوروبي تدابير مكافحة الإرهاب في الجمع بين الصلاحيات الرهيبة، واستهداف فئات بعينها بطرق تمييزية، ومن خلال تجريد أفرادها من حقوق الإنسان تحت قناع الدفاع عنها. ونحن نواجه خطر إيجاد مجتمعات تصبح الحرية فيها هي الاستثناء، والخوف هو القاعدة». من جانبه وفي تصريحات «للشرق الأوسط» حول موافقة البرلمان على مقترح لوزير الداخلية البلجيكي جان جامبون، لإنشاء قاعدة بيانات للمسافرين عبر القطارات والحافلات، ومدى تعارض ذلك مع الحريات الأساسية للمواطنين، قال المدير السابق للشرطة الفيدرالية في بلجيكا الاين دوشاتلي، وهو أيضا مدير مركز الدراسات الشرطية والأمنية «علينا أن ننتظر لنرى كيف ستوازن الحكومة بين مسؤولية ضمان أكبر قدر من الأمن للمواطنين، وفي الوقت نفسه حماية الخصوصيات، وأعتقد في أعقاب ما حدث لمنفذ حادث برلين ونجاحه في التنقل بحرية بين عدة دول أوروبية عقب الحادث، فإن الناس لا تمانع في المزيد من التفتيش والمراقبة، ولكن دون التحول إلى دولة بوليسية، ولهذا سنقوم بمراقبة كيف سيتحقق التوازن». ويشير التقرير الصادر أمس عن منظمة العفو الدولية، إلى أن تأثير مثل هذه القوانين كان «عميقًا بشكل خاص»، على الأجانب والجماعات العرقية والأقليات الدينية. ووجد التقرير أن هناك عددا متزايدا من الدول التي رأت أنه من السهل إعلان حالة الطوارئ، ومنح صلاحيات خاصة للجهات الأمنية، مع القليل من الرقابة القضائية. كما حذرت منظمة العفو الدولية من أن ما يسمى بمبادرات «ما قبل الجريمة»، والتي تهدف إلى منع وقوع هجمات إرهابية، قد أدت إلى فرض قيود على حرية الأفراد في التنقل في الكثير من الدول. وقالت جوليا هول، خبيرة مكافحة الإرهاب في العفو الدولية والتي كتبت التقرير: «في أنحاء النطاق الإقليمي للاتحاد الأوروبي نرى مساواة المسلمين والأجانب بالإرهابيين، هذه النظرة النمطية تؤثر بصورة غير متناسبة في تلك المجتمعات، بما أدى لدرجة عالية من الخوف والشعور بالغربة». وحذرت من أن إجراءات المراقبة وصلاحيات التفتيش والاعتقال والاحتجاز التي وصفتها بأنها «قاسية» مثل تلك المطبقة في فرنسا منذ 2015 عندما قتلت هجمات 130 شخصًا يمكن إساءة استغلالها لاستهداف نشطاء أو أفراد في أقليات ممن لا يشكلون أي تهديد أمني حقيقي. وقال تقرير العفو الدولية إن إجراءات جديدة لكبح التأييد اللفظي أو إيجاد المبررات للإرهاب يقلص مساحة حرية التعبير. وأضاف أن ثلث من تمت محاكمتهم في فرنسا في 2015 بسبب الدفاع عن الإرهاب وعددهم الإجمالي فاق 380 شخصًا كانوا من القصر. وأدان تقرير العفو الدولية استخدام حظر التجول وقيود السفر وفحص الشرطة لمراقبة أفراد لم يدانوا بأي جريمة، وعادة لا يعرفون ما هم متهمون به. وانتقدت «هول» ما وصفته بأنه «نظر الحكومات لشخص وقولها: «تبدو مريبًا جدًا بالنسبة لي. لذلك سأقيد من تصرفاتك لأني أعتقد أنك قد ترتكب جريمة». والتقرير المعنون بـ«اختلال خطير» كشف عن التوسع المستمر لمفهوم الدولة الأمنية في أوروبا، وكيف تؤدي موجة القوانين والتعديلات التي مُررت بسرعة خطيرة إلى التقويض من الحريات الأساسية، وتفكيك أشكال حماية حقوق الإنسان التي تحققت بعد نضال طويل. وبهذه المناسبة، علق مدير برنامج أوروبا بمنظمة العفو الدولية، جون دالهويزن، قائلاً: «حرصت الحكومات عشية سلسلة من الاعتداءات المروعة، التي طالت مدنًا مختلفة من باريس إلى برلين، على المسارعة في تمرير موجة من القوانين التمييزية وغير المتناسبة». وأضاف دالهويزن، قائلاً: «تشكل هذه التدابير المعنية بمكافحة الإرهاب منفردةً مصدر قلق لوحدها، وعلاوة على ذلك، فهي ترسم مجتمعةً ملامح صورة مزعجة تفتئت فيها الصلاحيات الممنوحة دون حسيب أو رقيب على حريات لطالما اعتبرت في عداد المُسلِّمات». وبناء على بحوث أُجريت على مدار أكثر من عامين، في 14 بلدًا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفي ضوء دراسات تحليلية للمبادرات ذات الصلة على المستويين الدولي والأوروبي، يكشف التقرير المدى الذي ذهبت إليه هذه التشريعات والسياسات الجديدة من أجل الإطاحة بأشكال الحماية المتوفرة للحقوق في معرض تصديها للإرهاب. فقد شهد عدد من البلدان اقتراحًا أو سنَ تدابير لمكافحة الإرهاب شكلت انتهاكًا لسيادة القانون، وعززت من صلاحيات السلطة التنفيذية، وأتت تدريجيًا على الضوابط القضائية، وقيدت حرية التعبير عن الرأي، وجعلت الجميع عرضة لمراقبة الحكومات. وتنص بعض مواده المبهمة على منح صلاحيات تجيز تعليق العمل بالقوانين النافذة، وتسريع إصدار قوانين جديدة، ونشر قوات الجيش المزودة بالأسلحة الآلية لقمع الاضطرابات. وشهدت فرنسا تمديد حالة الطوارئ خمس مرات، وأقرت تدابير تتعدى على الحريات، وتتضمن صلاحيات حظر المظاهرات، وإجراء عمليات التفتيش دون استصدار مذكرة قضائية. وأصبح من المعتاد على نحو متزايد أن يتم إدراج تدابير مؤقتة من قبيل الأوامر الإدارية لتقييد الحركة، والتنقل ضمن القوانين العادية في كل من المملكة المتحدة وفرنسا.
مشاركة :