تكتسب الطائفية صفة مصطلح "سيء السمعة"؛ لأنها تتسبب في ظهور أجيال متشددة ومتعصبة تختل أولوياتها الوطنية والقومية، فيأتي الولاء للطائفة مقدما على المجتمع بكل تكويناته العرقية أو المذهبية، وذلك يعني وضع العربة أمام الحصان، فليس مجديا أن نقدّم ولاء محدودا على آخر عام تترتب عليه مصالح جماعة أو وطن، وبحسب ذلك لا يصبح المصطلح سيئا وحسب، وإنما مهدد خطير لأمن وسلامة المجتمعات والأوطان. هناك أسئلة كثيرة حول المشكلة الطائفية تتعلق بحيوية الإرادة الكامنة فيها بوصفها نوعا من التطرف العقدي من ناحية، والفكري والديني من ناحية أخرى، وفي الحالين تبرز أزمة في قلب المجتمعات التي تكتوي بنيران الطائفية التي تحرق ولا تدفئ، فالطائفي يفقد الإدراك السليم لمتغيرات الأحوال ويصبح كالذي يسير على مسار واحد أشبه بالسكة الحديد، أو كالنائم مغنطيسيا تتم برمجته بتغييب وعيه وإخضاعه لتحقيق أهداف محددة رغما عن أي مصالح للمجتمع والوطن، وأيّا كانت الأضرار التي تترتب على سلوكه الطائفي. وللحقيقة فإن الطائفية في مسارها التاريخي خلال العصر الحديث تبدأ بصورة دراماتيكية مع ميلاد الثورة الإسلامية في إيران، ذلك أذكى جذوتها وأشعل موقدها، ثم ظهرت بعد ذلك جماعات الإسلام السياسي أو الأصولي فبدأت الطائفية تتناسل فكريا بحسب المذاهب والمعتقدات مع مناصبة فاضحة للعداءات وإقصاء كل طرف للآخر، ولن نبعد عن الحقيقة حين ننظر في ماهية الشخص الطائفي لأننا من خلال رصد اتجاهات وثوابت ومتغيرات الأوضاع الطائفية في جميع بلداننا العربية والإسلامية، نجد أن تعريف الطائفي يتوافق مع تعريف معجم "أوكسفورد" الذي يرى أن الشخص "الطائفي" هو "الشخص الذي يتبع بشكل متعنّت طائفة معينة". وذلك التعنت يتطور مع الزمن وحركة التاريخ، نجد وصفه لدى كثير من الطائفيين الذين برزوا مؤخرا في عدد من الدول العربية التي عانت مما يعرف بالربيع العربي، فالطائفية بحاجة إلى بذرة في أي مجتمع أو أي جماعات مصادمة يختل ميزانها الفكري والسياسي في تعاملها مع الفكرة الوطنية، ذلك حدث ويحدث بين الشيعة والسنة في العراق وسورية ولبنان، بصورة مثالية تؤكد مساوئ الفكرة الطائفية ونشوئها في بيئات متضادة مع بقية المكونات الاجتماعية، وهي إلى حد ما بمثابة عدوى تحملها رياح الفتنة والضخ العقدي السلبي الذي يستغل الأتباع لصالح مشروع طائفي قابل للانفجار بحسب تهيئتهم النفسية والفكرية للقبول بأي صيغ تطرف تخالف مشروعات اجتماعية أو وطنية قائمة. هل يمكن أن تكون الطائفية هوية؟ هي كذلك ولكنها في أحد أسوأ أوجه الهوية، تماما كما تناولها أمين معلوف في كتابه "الهويات القاتلة"، وكذلك هي الطائفية هوية قاتلة ومدمرة تسيء للمعتقد والكيان الذاتي، وتولد كثيرا من المرارات والشعور بالأحقاد والكراهية المدمرة بين أطياف النسيج الاجتماعي الواحد على اختلاف توجهاته العقدية والمذهبية والإثنية، إنها قنبلة موقوتة يستغلها بشكل مؤسف، رجال دين طائفيون في لعبة سياسية يهددون من خلالها بإحداث خلل في الأنظمة السياسية أو الحصول على مكاسب خاصة بهم، والأتباع الطائفيون هم وقود ذلك والذين يدفعون ثمن الأحقاد والكلام الكبير عن الأفضليات المذهبية والتفاصيل العقدية التي تمعن في التفرقة، وطالما اقترنت الطائفية بمترادفات مثل العصبية والتعنت والتشبث بالرأي والتفرد به، فإنها تصبح مدمرة وقاتلة بالفعل ولا تخدم أي مشروعات إصلاحية، لأنها حينها تفتقد التوازن وروح المسؤولية الأخلاقية والجماعية التي تسهم إيجابا في سلامة المجتمعات والأوطان، ولنا فيما يحدث في العراق وسورية ولبنان عظة وعبرة فيما يمكن للطائفية أن تدمره في الذات الإنسانية وتشوّه جوهرها وتفقدها حقها في الوعي والاتزان العقلي والنفسي.
مشاركة :