حرية التعبير في مناطقنا يا سيدي، مهزلة ومضحكة. هذه الحرية وعبارات الرأي والرأي الآخر، لها مقاييس لدى السلطة تختلف عن معناها لدى السياسي، وتختلف عن معناها لدى المتدين، وتختلف عن معناها لدى العليمي. حرية التعبير عزيزي المواطن، تقاس بمقياس خارج اطاره الفكري. قياساتنا الفكرية لحرية التعبير، تماثل عامل الجبرة عند شرائك الرقية، فالقضية ليست أكثر من قول البيّاع «شرط السجين»! حريتنا شرط السجين، أما الرأي والرأي الآخر وحق الناس بالرد أو الاعتبار، تروح فدوى لشرط سجين بقّال الجبرة! حرية التعبير عزيزي المواطن تسير بطريق واحد one way. عليك أن تقرأ العبارة وتفهم معنى الإشارة التي هي سهم للأمام لا سهمان، سهم للأمام ولا توجد إشارة الرجوع للخلف. حرية التعبير هنا أشبه بعامل الوقت والزمن، فهل رأيت يوماً عقارب الساعة تتوقف أو تتأخر أو تعود للوراء (طبعاً باستثناء الكمبيوتر والـ undo لأنها بالنهاية من منتجات العالم الغربي الكافر اتباع الليبرالية وحرية التعبير). لا تنتظر أن تأتيك الحرية على طبق الحكومة، فهذا الطبق، إما مسموم أو غير مطبوخ وبحاجة إلى «نار» الحركة. فيا مواطن عليك أن تصحو ولا تغفل، فكن فطناً والتفت إن كان الطبق مسموماً أو بارداً. فوجبة الحكومة غير صالحة للأكل، فإما أنها السم القاتل أو أنها وجبة باردة نيئة بيئة ومرتع للفطريات والميكروبات. قالوا لنا الكثير عن حرية الرأي وكبرنا على أنها قلة الأدب وسلاطة اللسان. أرجو ألا يلتبس عليك الأمر، فحرية التعبير تختلف عن حرية الشتم والإهانة. فالأولى ساحة العلماء والمراكز البحثية والمفكرين والأدباء، وأما الثانية فميدان الحمقى والجهلة ومراكز التطرف والتكفيريين وأتباع كل ناعق. فالتعبير المُباح لا يكون إلا بمقدار النقد وتوضيح الحقائق وإثبات الوقائع بالأدلة والبراهين واستخدام المنطق واستخلاص النظريات، أما ما يخرج عن مدرسة one way فالتعبير فيه يأخذ شكلين: إما توجيهات وتعليمات أو سبا وشتما وتكفيرا. فعلى خلاف المدارس الفكرية، المدرسة الثانية تخلو من المعلمين والطلاب ومن المفكرين والباحثين. فكل ما في هذه المدرسة، إما شخص يمتلك الحقيقة وآخر يجهل كل الحقيقة. لذا التفكير والنقد والتحليل ومحاولة تحسين النظريات وتنقيحها فلا وجود لها في منهج هذه المدرسة. الناس، إما يحملون مفاتيح الجنة أو اغناما وخرفانا يطيعونها، حسب رواية الإمام علي عليه السلام «همج رعاع». hasabba@
مشاركة :