الإخوان المسلمون.. قراءة في أبعاد الأزمة

  • 1/19/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

على غير ما يرى كثيرون يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين بدأت أزمتها الراهنة مع الشرارة الأولى لثورة يناير وليس انقلاب يوليو/تموز، وإن الإطاحة بالرئيس المنتمي للجماعة، وهو أول رئيس منتخب بعد الثورة، هي محصلة لهذه الأزمة التي بدأت مع تخلي مبارك عن السلطة، وليس مع عزل مرسي. في يناير/كانون الثاني وجدت قيادات الإخوان نفسها في مواجهة حدث ضخم لم تكن مستعدة ولا متحسبة له، واضطرت لمجاراته رغم عدم اتساقه مع المكنون الفكري والسياق التربوي للجماعة إصلاحية الطابع، وذلك بعد تردد لم يطل؛ حيث اضطرت تحت ضغط أفراد الجماعة وشبابها لاتخاذ قرار النزول للشارع رغم الخوف من البطش الأمني حال فشل الحراك الذي كان مبعث التردد وليس الإدراك الحقيقي لماهية وخطورة الحدث، كما سنفصل. كان تنحي مبارك بمثابة إعلان انتهاء الثورة لدى قيادات الجماعة التي تركت للمجلس العسكري قيادة المرحلة الانتقالية، وراحت ترتب أوراقها للاستحقاقات الانتخابية التي برعت فيها على مدى عقود، بدلاً من أن تدفع من الخلف بقوى المجتمع، وخاصة الشبابية، إلى إكمال الثورة وتفكيك النظام عبر تغيير شامل للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ذهبت الجماعة إلى سلطة بلا أدوات ثورية، وحاولت تطويع أجهزة الدولة التي هي في الحقيقة جسم النظام الذي غاب رأسه فانقلبت عليها هذه الأجهزة، ليس ذلك فحسب، فقد أسهمت السلطة الوهمية التي تولتها الجماعة في عزلها عن الجماهير وحرقها في الشارع، فهي لم تمد يدها بشجاعة لتعيد للفقراء حقوقهم، ولم تجيشهم للدخول في حرب معلنة وبجسارة مع السلطة المتزوجة برأس المال. لم تدرك الجماعة الإصلاحية بطبيعة نهجها الفكري والفقهي أنها غير مؤهلة لتحمل مسؤولية ثورة؛ لأنها عمل مختلف تماماً عن الإصلاح القائم على فكرة التدرج، بينما الثورة تأتي بغتة ولها استحقاقات يجب أن تدفع وهزات اجتماعية يجب أن يفسح لها المجال، ودفعت النظرة الضيقة لحسابات السلطة قيادات الجماعة للتنسيق مع الدولة على ترويض نهر الثورة، غير مدركة أنها المنتفعة الأولى من ذهاب الثورة إلى أبعد مدى، كما أنها ستكون الخاسر الأكبر من انحسار نهر الثورة. وبالفعل كان الانقلاب على الجماعة ضربة قاضية لثورة يناير التي لم تعد لبقاياها أية مساحة للمناورة، وباتت ضحية للتصفية الانتقامية، فيما خسر الإخوان بفداحة سياسياً وشعبياً ما مهد لخلافات ومشاكل وتفكيك داخل الصف جعل البعض يذهب إلى القول بأن الحركة بشكلها التاريخي باتت جزءاً من الماضي، ولا بد من البحث عن صيغة جديدة وقالب جديد للحفاظ على القيم التي مثلتها الجماعة. لا بد إذاً من الاعتراف الذي لا مواربة فيه بالفشل في التعامل السياسي مع مفاجأة الثورة، والإقرار بأن الكثير من القرارات التي اتخذتها الجماعة كانت ردات فعل للأحداث، ولم تكن نتيجة إدراك واعٍ لأبعادها، وكذلك مواطن القوة والضعف لدى الجماعة ولدى خصومها، أضف إلى ذلك الفشل في إجراء التغييرات الهيكلية اللازمة لاستيعاب هذا الحدث الضخم والتعامل الجيد مع تداعياته. وفي محاولة فهم أسباب هذا الفشل يمكن القول إن الجماعة التي بدأت دعوية ثم انغمست في السياسة شيئاً فشيئاً ربما لطبيعة فهمها للإسلام باعتباره مهيمنا على كافة مناحي الحياة أغفلت في تطورها التاريخي أهمية التخصص الذي أصبح يميز العصر، فظل عضو الإخوان داعية وسياسياً وأشياء أخرى فكانت النتيجة أن السياسة عرقلت الدعوة فيما قيدت الدعوة خيال السياسي وحدت من حركته وبات لدينا إشكالية حقيقية تتطلب جهدا كبيرا لتحرير العلاقة بين الدين الثابت بنصوصه المقدسة والمواقف السياسية المتحولة بمواءماتها الطارئة. وعلى الرغم من أن السياسة مثلت أحد قطبي الرحى لحركة الإخوان المسلمين فقد كان صناع القرار السياسي لدى الجماعة قليلي الخبرة ومحدودي الزاد في هذا المجال وتكفي نظرة عابرة على أسماء أعضاء المكتب السياسي للجماعة "مكتب الإرشاد" إبان ثورة يناير للتدليل على أننا إزاء هواة في السياسة كانت قراراتهم ومواقفهم وخياراتهم كارثية التأثير على الأمة بأسرها. وقد رفع الإخوان لعقود شعار الإسلام هو الحل دون جهد حقيقي لبلورة نظرية عصرية واضحة وبسيطة لشكل الدولة ووظيفتها وانحيازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكيفية إدارتها للصراعات الداخلية، كصراع الطبقات والأجيال وغيرها من الصراعات الوجودية، فضلا عن ترسيم حدود حركة الدولة داخل إطار النظام العالمي، وعلى الرغم من أن البعض ذهب في توصيف الحركة الإسلامية باعتبارها حركة احتجاج اجتماعي كبرى، مستشهدا بانتماء أبنائها في الغالب للطبقتين المتوسطة والفقيرة، فإننا لا نكاد نلمس في الخطاب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين انحيازا واضحا لقضايا العدل الاجتماعي وحقوق الفقراء والمهمشين. بل على العكس اكتفت الجماعة بمساعدة الدولة دون قصد طبعا في حل مشاكل هذه الفئات اجتماعيا، واكتفت في المقابل بالحصول على أصواتها في الانتخابات دون أن يواكب ذلك خطاب يتحدث باسم هذه الفئات، ويتبنى الدفاع عن حقوقها ويحرضها على انتزاعها فكانت النتيجة أنها ساعدت هذه الفئات على مواجهة شظف الحياة وسد بطونها الجائعة لكنها تركتها للدولة تستخدمها وقت الحاجة. وقد تميز الخطاب السياسي لجماعة الإخوان من وجهة نظري على الأقل بالميوعة خلال عقود حكم مبارك وحتى قبل الانقلاب فلا هو برز كمعارض شرس للنظام ، مستخدما خطابا ثوريا محرضا رغم ما تكبده من تكاليف، ولا هو نجح في بناء جسور من الثقة لدى النظام بما يؤسس لشراكة قائمة على احترام المنافع المتبادلة. وخلال العقود الأخيرة خضعت الجماعة للضغط السلفي الذي فتحت له الأبواب في حقبة الثمانينات واستجابت لابتزازه ولم تحتفظ بالروح الوثابة التي ميزت مؤسسها، فخلت الساحة لدعاة السلفية الذين تحولوا إلى نجوم مجتمع امتد تاثيرهم إلى داخل الصف الإخواني بما يمثله هذا التأثير من رؤى وتصورات أسهمت في الاستكانة السريعة لنتائج يناير الجزئية. وكما افتقر أعضاء جماعة الإخوان إلى التبحر في علوم التراث بسبب تغليب الحركة على الفكر افتقدوا أيضاً التثقيف السياسي فقلما تجد بين صفوف الإخوان من قرأ السياسة لأرسطو أو رأس المال لكارل ماركس وروح الثورات لجوستاف لوبون و مقدمة ابن خلدون وشخصية مصر لجمال حمدان وشروط النهضة لمالك بن نبي وغيرها من الكتب في العلوم الإنسانية والاجتماعية. على الجماعة إذاً أن تحدد مسارها السياسي في هذه المرحلة المضطربة، وهذا التحديد يتعين أن يكون وفق دراسة حقيقية لقوتها ووزنها السياسي وأوراق الضغط التي تملكها وألا تراهن على الزمن؛ لأنه ليس في صالحها، فإذا وجدت أنها غير قادرة على وقف نزيف الخسائر فلتكتف حاليا بلملمة أوراقها ومعالجة جراحها والابتعاد عن الساحة لإعادة ترتيب الأوراق. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :