في غابر الأيام من تسعينات القرن الماضي، كنا نتحدث مع بعض أصدقائنا اليابانيين والأستراليين عن ظاهرة سفرهم شبه الجماعي الموسمي لخارج بلدانهم، والظاهرة المرصودة آنذاك، أن اليابانيين والأستراليين ينزحون بشكل شبه جماعي إلى جزيرة بالي الإندونيسية، أو جزيرة لانجاوي الماليزية أو كوالالمبور الماليزية أو باتايا التايلاندية؛ لأن سعر إقامة أسبوع في جزيرة بالي بفندق 3 نجوم شاملاً الإفطار وتذاكر السفر يظل أرخص من تذكرة التنقل من طوكيو إلى هيروشيما بالقطار السريع، ناهيك عن إيجار الفنادق في هيروشيما. ونفس الحديث ينطبق على السائح الياباني أو الأسترالي القاصد لجزيرة لانجاوي وباتايا ومدينة كوالالمبور مقارنة بالمدن اليابانية أو الأسترالية، لا بل نفس السلوك الاستهلاكي لاحظناه لدى بعض سكان أمستردام ولاهاي الهولنديتين، أن عدداً غفيراً منهم يشدون السفر سياحياً إلى الجزر الإسبانية وبعض القرى البرتغالية لمدة أسبوع أو أكثر؛ لأن ذلك يظل أرخص لهم من سعر حجز غرفة لليلتين في إحدى المدن الكبرى بداخل بلدهم نفسه. حديثاً يبدو لي أن بعض سكان الخليج سيجدون لأنفسهم أكثر من مبرر لإدراج السفر إلى جهات سياحية معينة؛ لكون تلك الوجهات أجدى اقتصادياً أو ملامسة لتكلفة الحياة بداخل بلدانهم، وذاك على ضوء ارتفاع فاتورة الكهرباء والمياه والوقود والخدمات. فمثلاً بعض بلدان الخليج ارتفعت التعريفة للكهرباء بها إلى أكثر من ٤ أضعاف، والمياه ارتفعت إلى ما هو أكثر من ١٠ - 63 ضعفاً! هذا طبعاً ما نرصده ولم نتحقق من كل رقم لكل حالة إلا أنني أدعو كل قارئ إلى أن يتفحص بنفسه فواتيره لإبراء ذمتنا وللوقوف على استقرائه وطبيعة استهلاكه. هنا أستعرض مع القارئ الكريم بعض الأرقام للفواتير المتوقعة في فصل الصيف القادم والفواتير المتعلقة، وعليه سيكون الارتفاع في سعر الفواتير إذا أخذنا الأرقام التالية كمثال توضيحي كالرقم 400 دولار شهرياً في الصيف للكهرباء، و50 دولاراً شهرياً للماء، و200 دولار شهرياً للوقود من العام الماضي، فإن الفاتورة لأي شهر في الصيف القادم متوقع أن تكون كالتالي: - فاتورة الكهرباء شهرياً للصيف القادم: 400 * 5 = 2000 دولار. - فاتورة المياه شهرياً للصيف القادم: 50 * 10 = ٥٠٠ دولار. - فاتورة الوقود شهرياً للصيف القادم: 200 * 2.5= ٥٠٠ دولار المجموع للفواتير = 3000 دولار، وهو رقم تقريبي على أساس حجم أسرة مكونة من رجل وزوجته وطفلين، ولكل شخص حق التحقق من كل أرقامه. ومن المعلوم بالضرورة أن موسم الصيف هو موسم الأنشطة الاجتماعية كحفلات الزواج واللقاءات الأسرية وموائد السمر، التي بعضها يزهق جيوب العالمين، نتيجة لزيادة المصاريف العرضية، فضلاً عن كل هذا وذاك في فصل الصيف والحرارة المرتفعة يكون المتنفس شبه الوحيد هو المجمعات المغلقة المكيفة أو المطاعم، وهذا النوع من التنفيس ينتهي بإرهاق جيوب الأب الحنون من خلال المشتريات غير الضرورية وتناول الطعام المكلف والدخول في أماكن الترفيه العائلي الباهظة الثمن. كل هذا ولم ندرج رسوم القيمة المضافة على بعض السلع، أو رفع الدعم المترقب عن بعض السلع الاستهلاكية الأساسية، هذا الأب الحنون المستنزف والمعنون له باسم "سلم ولا تعلم"، وهي مقولة عمي، أبو نبيل، والد زوجتي أطال الله في عمره "pay and do not say"، يحتاج من ينظر لأحواله، تظل جروح الأب تنزف، ويطرَح تساؤل ومناشدة إلى حين النظر في حال فواتيره، فالتساؤل هو : - هل السفر أصبح ضرورة لتفادي تكاليف الفواتير الباهظة ولم يعد ترفيهاً كما هو متعارف؟! والمناشدة هي: - رجاء من أصحاب الشأن في بلادنا الحبيبة الإيعاز بمراجعة لوائح الأسعار للخدمات في كل جانب يمس حياة المواطنين، فإن متوسط الأجور لا يتناسب والتكلفة المعيشية في قادم الأيام.
مشاركة :