حديث لا تنقصه الصراحة في كامبريدج

  • 4/7/2014
  • 00:00
  • 36
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي كان الشاب بدر منذ نعومة أظفاره شغوفاً بالمعرفة، متطلعاً إلى مستقبل يحقِّق به طموحه وآماله، بعد تخرجه من الجامعة بمرتبة الشرف الثانية من كلية الإعلام والاتصال. التحق ببرنامج الابتعاث في مراحله الأولى لتحضير درجة الماجستير في الإعلام الجديد. حصل على القبول الفوري من جامعة بيد فور شير بلندن، وقد اختار هذه الجامعة لتخصصها وتفوقها في مجالي الأعمال والإعلام. حزم حقائبه ورحل، وبعد عامين كان يتوشح بجلباب الوقار العلمي، ويتبوأ مقعده في صفوف التفوق الأمامية. ٧٣٠ يوماً قضاها بدر في لندن دارساً وقارئاً ومتأملاً، يتابع باهتمام ما يُنشر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. الصخب العربي في لندن أصبح جزءاً من ثقافة المدينة وعنوانها. هناك يعيش المثقفون والمتمردون واللاجئون والصعاليك، وكذا الصحف والكتب العربية المهاجرة، بحثاً عن فضاء الحرية وهرباً من أغلال القمع. فرضت واقعاً لم يعد بالإمكان تجاهله، بل إن بدر توصل إلى نتيجة موغلة في الأهمية، بعد أن رسخت أمامه شواهد ووقائع تؤكد أن هناك إعلاميين وصحافيين ومثقفين عرباً يقومون بأدوار المعارضة من أجل الوصول إلى غايات معارضين مغضوب عليهم في مختلف المناشط. كان بدر مولعاً بمعرفة الأنظمة المنظّمة لحياة البريطانيين ومن يعيشون معهم من مختلف جنسيات العالم، ومهتماً بالتعرّف على أنشطة وبرامج مؤسسات المجتمع المدني. تحدّث إلى صديقه مشعل الذي يدرس الطب في جامعة كامبريدج، وجاءه زائراً في عطلة نهاية الأسبوع، عن انطباعه لرحلة قاد خلالها سيارته من لندن إلى كامبريدج. إن المناظر الخلابة التي شاهدها طوال الطريق الذي استغرق ثلاث ساعات، لم تكن بتلك المتعة لو لم يتوافر النظام الحازم الذي يحترمه الكبير والصغير، الغني والفقير. الكل سواسية أمام النظام والقانون، متعة الطريق تكمن أولاً في نظام يهابه ويحترمه الجميع. أنصت بدر إلى صديقه مشعل، وهو يقول: إن الانضباط يسود حياة المجتمع، على رغم الخليط الهائل من الجنسيات المختلفة التي تعيش في بريطانيا، وتهور بعض الشباب الإنكليز، والسبب هو معرفة الجميع بالقدرات والإمكانات الهائلة للحكومة. الانصراف للإنتاج والإبداع والتخطيط للمستقبل يحتاج إلى بيئة تسودها العدالة الاجتماعية، خاليةً من سموم القلق والخوف وحالات الارتباك المزعجة. وبصفتي طبيباً لا يمكنني الانهماك في البحث وتطوير قدراتي في المستقبل، وأنا قلق من البحث عن مسكن لأسرتي على سبيل المثال، نحتاج في وطننا إلى منظومة تنموية متكاملة يساند بعضها بعضاً، وإلا سنستمر في حال ارتباك لن تفضي إلى المستوى المأمول. حدِّثني، يا صديقي، عن فضاءات الإعلام الجديد. ما آخر أخبار مجتمعنا؟ غادرت مدينة الدمام قبل عامين، وجئت إلى مدينة كامبريدج، ولم أعد متابعاً لمنصات التواصل الاجتماعي حتى عندما أذهب إلى زيارة الأهل في الإجازات. أبتعد عنها قاصداً خشية حدوث اضطراب في التركيز على طموحٍ أسعى إليه للحصول على شهادة الدكتوراه في الطب. إنني، يا صديقي - بحكم تخصصي في الإعلام الجديد - مهتم بالمتابعة والمقارنة. أضناني التعب في الإمساك بخيوط معرفة إلى أين نحن سائرون؟ وأكاد أنزلق إلى دائرة الإحباط عندما أدنو من المقارنة: السباب الشتائم ثقافة عصر جاهلي، وها هي تعود. ثورة الشك مخالب مسمومة، وها هي تنمو. اضغط المضغوط، عناوين مؤسفة لحسابات مديري تحرير، يقودون أماكن المتعة والروح الرياضية. الإشاعات خلطت الحابل بالنابل، انتهكت أعراض بكلمات بذيئة وقفزت فوق أسوار المُحرّمات عندما بدأت تؤجِّج وتثير الطائفية البغيضة. ليتني استمعت إلى نصيحة والدي وابتعت عن دائرة الإعلام؟ يا صديقي، هدّئ من روعك. هذه ضريبة انفتاح عولمة حرّية الكلمة والصورة. إن الخير منتصر في النهاية، ولا بد من أنك ترى أملاً وسط ركام الغثاء. نعم، يا صديقي مشعل، أنا أصف واقعاً مريراً، يواجهه فرسان كلمة ورأي يبعثون الأمل في النفوس. إنهم قادة فكر يحملون بشائر الخير ومشعل القيم والأخلاق والإصلاح. أخشى عليهم من نفاد صبرهم. أحمل إليهم مشروعاً ثقافياً للتنوير، عنوانه الكلمة الطيبة تأخذ الحق البين. ودّعه طبيب المستقبل بحرارة، قائلاً له: الذكاء وحده لا يكفى. إنه مثل الزهور البرّية تزهر ثم تختفي. المثابرون هم المبدعون الحقيقيون، فثابر من أجل الكلمة الطيبة، وستكون سبباً في إرشاد جيل جديد للحق البين. أرجو أن أراك بدراً تُضيئ منصات التواصل الاجتماعي بأخلاق وسلوك المسلم الغيور المحب.   *كاتب سعودي. aalyemni@yahoo.com

مشاركة :