جاء السؤال بريئاً، لكنه كشف الكثير. «يا جماعة! أين التظاهرة التي ستتوجه إلى التحرير لاحتلاله؟! نحن نضرب في جامعة القاهرة ولم يخبرنا أحد بالخطوة التالية!» سؤال الطالب الذي طرحه على موقع «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب» الإخواني بحثاً عن تعليمات التحرك لاحتلال ميدان التحرير وفق الخطة المعلنة التي ظلت غير مفعلة، عكس «نقاءً» شبابياً وبراءة «ثورية» وضياعاً إخوانياً، فقد زجت كوادر الجماعة ومنظروها ومخططوها بالقواعد الطلابية إلى معترك «الشرعية» وأججوا مشاعرهم الثورية وأوقدوا أحاسيسهم الانتقامية، وتركوهم وحدهم بلا بوصلة ترشدهم. واستثمر هؤلاء كل ما يمكن استثماره من مقاطع مصورة ومقالات مكتوبة وتعليقات مستقاة من صحيفة «غارديان» وموقع «بي بي سي» وغيرهما، لكنهم تركوا لاعبي المشهد ولاعباته يواجهون الطرف الآخر من دون خطة مسبقة أو توجيه. وأيقن المصريون أن قواعد الإخوان الطلابية تركت على الأرض تخوض معركة الكبار الذين هربوا أو سُجِنوا أو اختبأوا أو انشغلوا أو بدأوا يخططون لمرحلة مقبلة في صراعهم من أجل الخلافة، تاركين القواعد تصارع طواحين الهواء لحين استثمارها في دور جديد. هموم لا أول لها أو آخر يجد شباب الإخوان و «حرائرهم» أنفسهم أسرى لها. ينزلون من بيوتهم صباح كل يوم متوجهين إلى جامعاتهم متسلحين بزجاجات المولوتوف وما تيسر من طوب وما يمكن حمله من أعلام رابعة ويبدأون زخمهم الثوري المطلوب منهم وهتافهم الشرعي المنصوص عليه واستهداف قوات الأمن المنوطة به، ثم تطلق عليهم قنابل الغاز، فيخرجون الكمامات ويشمون الخل، إلى أن تغرب الشمس، ويعودون أدراجهم إلى بيوتهم، انتظاراً لفعاليات اليوم التالي. لكن اليوم التالي يأتي غالباً ملبداً بالغيوم مفرطاً في الضباب منغمساً في الرهاب. رهاب قواعد الإخوان من شباب وشابات نشأوا وتربوا وكبروا إن في أسر إخوانية أو أحياء إخوانية أو أجواء إخوانية ترقى إلى منزلة «الدولة الموازية» للدولة المصرية التي تجاهلت دولة الإخوان على مدى عقود طويلة. لكن البكاء على العقود الطويلة الماضية لن يؤدي إلى عقود سعيدة مقبلة، فقواعد الإخوان الشبابية هي مصرية في المقام الأول والأخير، ومازال التعامل الوحيد المتبع معها هو التعامل الأمني من جهة، والاستعداء الإعلامي من جهة والكراهية المجتمعية من كل الجهات. الجهات الأربع المحيطة بجامعة القاهرة ملبدة بمشاعر كراهية ونظرات عداء واستثارات مواجهة لطلاب الإخوان. «لماذا يتركونهم من دون عقاب؟!»، «العيب على الأهل الذين تركوهم بلا تربية»، «أولاد الـ... يستحقون الإعدام»! تعليقات المارة يدور أغلبها في هذه الأطر. قليلون فقط هم من يتعاطفون ونادرون من يتضامنون، وحتى تضامنهم يبقى سراً خوفاً من أن يُفتَك بهم. لكن الفتك بهؤلاء أو بأولئك، حتى وإن حل مشكلة آنية أو أراح ثأراً حالياً، سيؤدي حتماً إلى تفاقمات مستقبلية ومغبات مؤكدة. وبينما تغيب الحلول غير الأمنية والإدماجات المجتمعية والمحاولات العلاجية للأدمغة المغسولة بصكوك الدين وبطاقات الجهاد في سبيل الله، تغيب أيضاً الرؤى القيادية لكوادر الجماعة في ما يختص بأدواتها الشبابية، وحين يهمس أحد الطلاب لزميله قائلاً: «حاسس إن فيه حاجة غلط أو ناقصة»، فيرد عليه زميله «استغفر ربك»! يسارع بالاستغفار، من دون معرفة السبب لأن سلاح التلويح بالحرام يظل الأقوى والأغلب، فالمطلوب تغييب العقل النقدي وإعمال العقل الجمعي حيث السمع والطاعة. وتشكل طاعة قواعد الجماعة لما تبقى من قياداتها شوكة في حلق مصر، وهي الشوكة التي تتطلب جهداً كبيراً وعناءً شديداً، وكلاهما لم يبدأ بعد، فالمواجهات اليومية التي يبدأها طلاب الإخوان في الجامعات المصرية بغرض إنهاك الأمن واستنزافه وأملاً بالعودة والتجهيز لحكم الخلافة شغلت الجميع. الإعلام غارق في صب اللعنات عليهم، والأمن منغمس في تطويق فعالياتهم وتفريقها، وخبراء السياسة وعلماء الاجتماع واختصاصيو علم النفس وخبراء التعليم منهمكون في التنظير. حان وقت العلاج وإدماج شباب الجماعة في الحياة العامة لكن لا شيء يدعو إلى التفاؤل بعد. مصرجماعةالإخوان المسلمين
مشاركة :