جون كاسن سفير بريطاني بدرجة مواطن مصري بقلم: شيرين الديداموني

  • 1/21/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

السفير البريطاني جون كاسن غريب الأطوار سعى إلى تقديم نموذج مختلف للدبلوماسي التقليدي، وتجاوز نطاق الدبلوماسية المعهود في تمثيل مصالح بلاده لدى مصر. العرب شيرين الديداموني [نُشرفي2017/01/21، العدد: 10519، ص(12)] جون كاسن دبلوماسي ابن بلد يتمرد على الأعراف ويحرج المسؤولين القاهرة- من بين أكثر من مئة سفير أجنبي بالقاهرة، نجح جون كاسن، سفير المملكة المتحدة في مصر، في إعادة تعريف مهام السفير، خلال أعوام عمله، ما جعله حديث الشارع المصري، ومنذ توليه منصبه في أغسطس 2014 وهو يتفاعل مع المواطنين بخفة ظل، وخفة دم أولاد البلد، ويشاركهم كافة المجالات، ويدلي بتصريحات ومواقف، جعلت البعض يصفه بأنه، دبلوماسي أجنبي بدرجة مواطن مصري. سفير المملكة المتحدة، بلهجته المصرية، حظي بشعبية كبيرة في أوساط الشباب المصري، وعززت من ذلك، سلوكياته غير المألوفة على طبيعة عمل السفراء، من حيث الجدية والالتزام بالبروتوكولات، الذي تفرضه الأعراف الدبلوماسية. وهكذا استطاع كاسن، أن يفرض بصمته، ويصبح الأكثر شهرة بين الدبلوماسيين الأجانب. ضيف الحواري الشعبية كاسن يعرف جيدا، أن فهم ثقافة وطبيعة الشعب المصري، والتفاعل مع قضاياه، من أهم عناصر نجاح الدبلوماسي، لأن هذا التفاعل، يمكّنه من معرفة حقائق الأمور على أرض الواقع، وما هي المشكلات التي يعاني منها المصريون، وهو عندما يتحرك في شوارع مصر وأماكنها الشعبية يريد أن يعرف درجة الأمن والاستقرار في مصر. كما يقيس مستوى رضا الناس عن أداء الحكومة المصرية. وكل هذه الأمور تجعله يكتب تقاريره السياسية والاقتصادية عن مصر بناء على معلومات ووقائع على الأرض. يخطئ من يعتقد أن سلوك كاسن في القاهرة مضيعة للوقت أو الجهد، وإنما هو جزء أساس من عمله الجاد في نقل صورة حقيقية عن مصر لحكومة بلاده، والمساهمة في تحديد السياسة البريطانية تجاه مصر، خاصة في ما يتعلق بالاستثمارات والسياحة والأمن وغيرها. يعتقد الناس في الغالب، أن السفير يجب أن يكون متحدثًا جيدًا، غير أن أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه أي مسؤول دبلوماسي، الجلوس بين جدران السفارة وداخل مكتبه الوزاري، ممضيًا الوقت في الحديث فحسب، لأن هذا من شأنه أن يباعد بينه وبين التغيرات والتحديات التي تشهدها دولة حيوية وسريعة التحرك كمصر. هذا ما صرح به كاسن، كاشفًا ما يدور بذهنه من قناعات، عن دور السفير، وهو ما يطبقه بحذافيره، حيث يقتنع اقتناعًا تامًّا، بأن على السفراء ألا يتحدثوا فقط، أو أن يظلوا يستمعون أكثر، لذلك نجده يذهب إلى أماكن تجمع المصريين، وينتقل من الإسكندرية إلى الصعيد، ومن الوزارات إلى المصانع، ومن المزارع إلى مواقع التواصل الاجتماعي، كي يرى مصر بعيون المصريين أنفسهم. حذار من تويتر يخطئ من يعتقد أن سلوك كاسن في القاهرة مضيعة للوقت أو الجهد، وإنما هو جزء أساس من عمله الجاد في نقل صورة حقيقية عن مصر لحكومة بلاده، والمساهمة في تحديد السياسة البريطانية تجاه مصر لم يستجب لنصيحة صديقه البريطاني، الذي حذره قبيل مغادرته لندن، ليصبح سفيرا في القاهرة، بأن “استمتع في مصر، لكن مهما حدث، إياك أن تظهر أبدًا على تويتر”. ذلك الصديق كان يعني، أن وسائل التواصل الاجتماعي مناطق محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى الدبلوماسيين، حيث يتم فيها تجاهل المجاملات واللغة الدبلوماسية، وتكون المناقشة شخصية، ما قد يثير الجدل، ومن الممكن أن ينشب شجار في أيّ لحظة. الدبلوماسيون كانوا دائما في قلب عملية الربط بين الشعوب، من خلال حفلات العشاء والبيانات الصحافية، لكن كاسن لديه قناعة بأن فيسبوك و تويتر، باتا اليوم أماكن جديدة، يمكن من خلالها التواصل مع الآخرين أينما وجدوا، والنجاح بالنسبة إلى الدبلوماسي، لا يمكن تحقيقه بالاختفاء وراء أسوار السفارة، والاكتفاء بحضور حفلات الاستقبال، أو السير في أروقة وممرات الوزارات الحكومية. مواقفه وتصريحاته، جعلت منه واحدًا من نجوم التواصل الاجتماعي، حيث لا يجد كاسن مناسبة، إلا ويدلي فيها بدلوه، وكأنه مواطن مصري من حي شعبي، يتفاعل مع كل الأحداث، ومن خلال لغة شعبية مصرية يفهمها ويغلفها بإطار كوميدي وبمصطلحات مصرية صميمة، نجده يستخدم عبارات مثل “الزهر لعب”، عندما كرّم مجلس العموم البريطاني أحد الشباب المصريين من خريجي جامعة الأزهر. وعبارة “زحمة يا دنيا زحمة” التي غنّاها المطرب المصري الشعبي الشهير أحمد عدوية، ليطلقها على زحام القاهرة، حيث أن جناب السفير، يترك سيارته ويترجل ماشيا من مبنى السفارة إلى وزارة الخارجية المصرية. عاشق الكرة المصرية جون كاسن يطيب له أن يستخدم عبارات مثل "الزهر لعب" في الرياضة، نجده يستقبل لاعب النادي الأهلي المصري رمضان صبحي، الذي حصل على عقد احتراف في نادي ستوك سيتي الإنكليزي، ويعمل على تقليد حركة رمضان، بالوقوف على الكرة، كما فعل في إحدى مبارياته مع نادي الزمالك. علّق السفير ممازحًا رمضان، عندما استقبله في السفارة البريطانية، بالقول “رسميًا، رمضان في الدوري الإنكليزي. وقد سلمته الباسبور والتأشيرة”. ثم يخاطب رمضان “باسبورك في إيدك، تأشيرتك معاك، تجيب الدوري وتيجي”. موقف كاسن مع لاعب الأهلي السابق، لم يكن وليد الصدفة، فقد ارتبط اسمه كثيرًا بالكرة المصرية واللاعبين المصريين، بعد مشاركته في أكثر من حدث رياضي في مصر، وإظهار حبّه للنجوم المحترفين على وجه الخصوص، حتى أطلق عليه متابعوه على مواقع التواصل على الإنترنت لقب “صايع كورة”. وسبق لكاسن، أن نشر، عبر حسابه الشخصي على تويتر، صورة للمصري محمد النني، لاعب نادي أرسنال الإنكليزي، معلقا “90 مليون مصري زعلوا مننا لما النني ما نزلش الماتش اللي فات، ما نقدرش نزعلكو تاني”، وقام كاسن بمشاركة المنشور مع نادي صفحة أرسنال وحساب النني بتويتر، وأضاف “أيوه كده يا أرسنال. لعنة الفراعنة أصابت تشيلسي لما سابو صلاح”. لذا لم يكن غريبًا، أن يطلق البعض على كاسن، لقب السفير التويتري، لكثرة عدد متابعيه من المصريين، والذين يتجاوزون الآلاف على موقعه على التواصل الاجتماعي، ويتفاعلون معه في حوار مصري خالص، وبلهجة مصرية شعبية، وظهر ذلك جليا عندما قدم التهنئة لمجموعة من المصريين الذين فازوا ببطولة العالم للفلافل، ونشر صورة جمعته بالفريق، وكتب على صفحته بتوتير يقول “والله وعملوها الرِجالة (الرجال). أتقدم بالتهنئة لأبطال العالم في بطولة الفلافل في لندن”. كفاكم كسلا أثارت هاشتاغات كاسن حول القضايا المصرية، إعجاب الشباب، مثل هاشتاغ “مصر الملهمة”، والذي يدعو فيه الشباب المصري إلى العمل والحماس، محفزا إياهم على التقديم لمنحة تشيفيينج البريطانية. قائلا لهم “يا شباب كفاية أنتخة (أي كفاكم كسلًا)، وأسرعوا بالتقدم للمنحة قبل انتهاء الميعاد”. وهاشتاغ “58 سببا لحبي لمصر”، علاوة على إطلاقه مبادرة مصر الغنية بشعبها. ولا يقتصر كاسن في تفاعله مع المصريين على ساحات التواصل الاجتماعي. بل نجده يتحرك بحرية في كافة أنحاء القاهرة وضواحيها الشعبية وفي المدن المصرية الأخرى، ولا يترك مكانا بارزا جميلا إلا وأبدى تعليقه عليه وإعجابه بمصر وجمالها. يزور حي الحسين الشهير (وسط القاهرة)، ويجلس هناك في مقهى الفيشاوي الشهير مع بسطاء المصريين، ويتناول المأكولات الشعبية مثل الفلافل والكشري وسط العامة، ويرتاد مترو الأنفاق بالقاهرة، ويقوم بشراء الفاكهة من بائعة بسيطة فوق الرصيف، ويحضر صلاة العيد في مسجد مصطفى محمود بالمهندسين. يأكل الفسيخ في شمّ النسيم، ويوزّع الحلوى على المصريين في مناسبة المولد النبوي الشريف، ويتناول عصير القصب المشروب الشعبي المصري، ويتناول الأسماك بأحد المحلات المشهورة، كما يتصوّر “سيلفي” مع المارة. كاسن يتبنى دبلوماسية دخول قلوب المصريين عبر الفول والفلافل وخفة الدم، رغم أنه لم ينجح في تحسين العلاقات بين لندن والقاهرة، بل إن البعض يتهمه باستخدام شعبيته للتدخل في شؤون مصر الداخلية وفي شهر رمضان الماضي، قام كاسن باستقدام عربة فول داخل مقر السفارة البريطانية، ودعا العاملين فيها ليتناولوا أبرز الوجبات الشعبية المصرية، مستعملا تعبيرا مصريا معروفا “اللمّة حلوة”. كاسن يحاول أن يكون “متوازنا” في مواقفه، فنجده لا يشجع لا الأهلي ولا الزمالك، بل يشجع فريق نادي الاتحاد السكندري، خشية إغضاب جماهير الناديين الكبيرين في مصر، ودائما ما يردّد وصفه لمصر بأن “فيها حاجة حلوة”، ليكسب حب وثقة المصريين. سعى هذا السفير غريب الأطوار إلى تقديم نموذج مختلف للدبلوماسي التقليدي، وتجاوز نطاق الدبلوماسية المعهود في تمثيل مصالح بلاده لدى مصر، ويتعدى مجرد العلاقة مع الحكومة المصرية ووزارة الخارجية إلى بناء تلاحم مع الشارع بأساليب التفاعل مع همومه وقضاياه. بلهجته المصرية الطليقة لا يخشى كاسن السير بمفرده في شوارع القاهرة المزدحمة، للتواصل مع أبنائها. يدوّن كل تجاربه وخبراته الجديدة على حسابه على “تويتر”، تساعده لغته العربية القوية، التي تعلمها بالجامعة الأردنية وجامعة الإسكندرية، على فهم لغة المصريين والتفاعل معهم. إضافة إلى صغر سنه، حيث لا يتجاوز عمره الـ45 عاما، ما جعله أقل خضوعا للتقاليد الدبلوماسية الصارمة، وأكثر حركية في الشارع المصري وتفاعلا معه على مواقع التواصل الاجتماعي. غير أنه في الوقت الذي استطاع فيه النفاذ إلى قلوب المصريين البسطاء، والاستحواذ على حبهم، وبناء شعبية كبيرة له بتضامنه معهم في قضاياهم، إلا أنه في المقابل أثار الجدل على المستوى الرسمي، بمواقفه المختلفة، التي جعلت البعض من الإعلاميين المصريين، يهاجمونه ويصفونه بـ”الازدواجية”. فبالرغم من أنه يتحرك بحرية داخل الشوارع المصرية، ويرتاد الأماكن العامة، ويتفاعل مع الجمهور، بما يعكس الحالة الأمنية المستقرة في مصر، إلا أنه مع ذلك يكتب تقارير دبلوماسية لحكومة بلاده تغاير ما يعيشه، ويحذّر السياح البريطانيين من القدوم لمصر، بسبب ما سمّاه “حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني”. في التاسع من أكتوبر، العام الماضي، أطلقت السفارة البريطانية، ومعها سفارات البعض من الدول الكبرى الأخرى، تحذيرات لرعاياها بعدم التواجد في الأماكن المزدحمة، لورود معلومات بوقوع أعمال إرهابية. وبعد ثبوت عدم صحة تلك المعلومات، وعدم حدوث شيء، اضطر كاسن للتصريح بــ”أن تحذيراته كانت عن سوء فهم”. وبعد حادثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء، في الـ31 من أكتوبر العام 2015، كانت بريطانيا من أوائل الدول التي سحبت رعاياها من مصر، وفرضت حظرا على سفرهم إليها، وما يزال هذا الحظر ساريا، ولم تفلح دبلوماسية كاسن في إنهائه، وهو ما جعل البعض يتهمه بنقل صورة مغلوطة عن مصر، مخالفة لتلك التي يزعمها عبر موقعه على تويتر، وأن تقاريره المغلوطة تعد العامل الأساسي وراء تراجع السياحة البريطانية لمصر. #اطردوا_السفير_البريطاني لا يمكن تحقيق النجاح بالاختفاء وراء أسوار السفارة لم يكتف كاسن بكل ذلك، بل كثيرًا ما أثار غضب المسؤولين ووزارة الخارجية المصرية، التي استدعته أكثر من مرة لتحذيره، فبعد أن أشار وزير العدل المصري المستقيل، محفوظ صابر، في لقاء تلفزيوني له، إلى عدم أهلية ابن عامل النظافة للعمل في السلك القضائي وكان سببا لاستقالته، تفاعل كاسن مع هذا التصريح على حسابه على تويتر، وأعلن عن فرص للعمل لدى السفارة البريطانية في وظيفة “مسؤول اتصال مجتمعي”، وكان عنوان رابط الإعلان هو “عايز تشتغل في السفارة البريطانية؟ نرحب بالجميع ونرحب بابن عامل النظافة”. وأثارت تغريدة السفير الكثير من اللغط، حول مغزى ما قاله كاسن، وماهية حدود اختصاص السفير، وعمّا إذا كان كاسن قد تعدّاها، وهاجمه البعض من المصريين، مؤكدين سوء نيته، وطالبوه بالاعتذار، أو مواجهة الطرد، بدعوى تدخله في شأن مصري داخلي، وإثارته للفتن، ودشنوا هاشتاغ (#اطردوا_السفير_البريطاني). ثم كان موقف كاسن من حكم القضاء، في القضية المعروفة باسم “خلية الماريوت”، والتي حُكم فيها بالسجن على عدد من صحافيي قناة الجزيرة (اثنان منهم يحملان الجنسية البريطانية) الأكثر إثارة وجدلا. حيث اعتبر السفير الحكم “صدمة”، وقال “إن الاستقرار في مصر هش”. الأمر الذي رفضت الخارجية المصرية قبوله، وقامت باستدعائه لإبداء اعتراضها الشديد على انتقاده، مؤكدة أن هذا يعد “تدخلاً يتنافى مع الأعراف والممارسات الدبلوماسية لسفير معتمد في دولة أجنبية، مهمته الرئيسية توثيق العلاقات مع الدولة المعتمد لديها”. لكن كل هذا لم يمنع كاسن من تكرار انتقاداته، فبعد حادثة غرق أكثر من 160 شابا مصريا في مدينة رشيد، أثناء محاولتهم الهرب إلى إيطاليا، وصف كاسن ما جرى بالحادث الذي يدمي القلوب، وفتح النار على الحكومة المصرية قائلا “عالجوا اليأس الذي يدفع المصريين للهجرة”، وهو ما أغضب مؤيدي النظام في مصر. أثار موقفه من اتفاق صندوق النقد الدولي مع مصر -لمنحها قرضا- اعتراض وحفيظة البعض في مصر، حينما كشف كاسن عن شروط إتمام قرض الصندوق، وأبرزها أن تقوم الحكومة المصرية أولا بسداد مديونية الشركات الأجنبية، ما جعل البعض يصف كاسن بالمثل المصري المعروف “أسمع كلامك أصدقك. أشوف أفعالك أحتار”. كاسن دائما ما يؤكد على قوة العلاقات بين بلاده ومصر والعمل على تطويرها، مستشهدا بأن بريطانيا هي أكبر مستثمر أجنبي في مصر باستثمارات تبلغ 30 مليار دولار، وأن بلاده تدعم مصر بكل قوة في حربها على الإرهاب وتحقيق الاستقرار، ولم يتردد في إدانة الأعمال الإرهابية ضد رجال الشرطة والجيش المصري، وكذلك ضد المسيحيين، وآخرها تفجير الكنيسة البطرسية. :: اقرأ أيضاً ممتاز البحرة الكوميكس يأسر العقول والقلوب مسدس الآيفون إرهاب أم دفاع عن النفس

مشاركة :