فريد أبو سعدة شاعر التراث ... قصيدةً ومسرحاً

  • 1/22/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعر المصري فريد أبو سعدة (1946) أحد «أقطاب» الحداثة الشعرية العربية الراهنة، من خلال دواوين مهمة، بدأ نشرها في منتصف ثمانينات القرن العشرين، ومنها: «السفر إلى منابت الأنهار»، «وردة للطواسين»، «الغزالة تقفز في النار»، «وردة القيظ»، «ذاكرة الوعل»، «مُعلَّقة بشِص»، «جليس لمحتضر»، «أنا صرتُ غيري». يرتكز أبو سعدة - الذي احتفل الوسط الأدبي المصري أخيراً ببلوغه السبعين من عمره - في بناء نصوصه على صنع قصيدة جانحة تتماس مع النص الكوني - الصوفي الأسطوري، الذي يدفع إلى اختراق حواجز الصمت الفني الذي كبَّلتنا به القصيدة المسجونة داخل حواجز تفعيلية مُمَغنَطة، لا تعبر عن الراهن أو المستقبل بمقدار تعبيرها عن قيم واهية وأحلام رومنطيقية، لا صلة لها بالمعيش. يقترب النص الشعري عند أبو سعدة، الذي برع أيضاً في كتابة الشعر المسرحي وفي الكتابة للأطفال، من شعرية الحال، عبر التناص مع مصادر تراثية. لهذا دلالة تأويلية مهمة، تتمثل في كون الشاعر هنا يفيض عشقاً صوفياً في سياق شعرية الحداثة. بل إنه حاول أن يتناص تناصاً معكوساً في مناطق شعرية كثيرة، من خلال الحدث الذي اتكأ عليه عبر الجملة الشعرية، «المدينة غارقة تحتنا». وهنا نستدعي الإشارة التناصية الخفيَّة، في قصة النبي نوح عليه السلام، وحواره السردي مع ابنه الذي آوى إلى جبل ليعصمه من الماء، كأن الذات الشاعرة في علوها ترفرف بعيداً من الغرق. فهي ذات تنجو بنفسها، متعلقة بمحبيها، إذ نجَّاها عشقُها مما كانت فيه من زيغ. بل منحت الذات نفسها سلطة العشق المتعلقة بخلود الروح وانتصارها على الموت الذي يجلبه الغرق المادي الذي قد يهلك المدينة بأسرها. قول متحداً بمقولات المتصوفة الكبار، مستحضراً الحلَّاج، في قصيدة من ديوانه «أنا صرتُ غيري»: «أحبُّكِ/ هذا صحيحٌ/ أحبُّكِ هذا أكيدْ/ ولكن/ تُرى ما الذى كنتُ أعنيهِ حينَ صرختُ: أنا مغرمٌ بكِ/ هل كنتُ أعني اكتمالي؟/ وأني بحُبكِ أدركتُ معنى وجودي/ وأني بدونكِ لا شيءَ...». تتجلى روح أبو سعدة، في القصيدة الجانحة التي تنفتح على حياة غوث كبير من الصوفية، وهو أبو منصور الحلاج، عبر ظاهرة فنية يتعايش فيها ببدنه وقلبه وملابسه التي لا تخلو من رائحة العشق المنزَّه. النص مُحَمَّل بالتأويلات المباشرة وتأويل التأويل، لأنه يمتح من معين المتصوفة الكبار، بروح الحداثة، مستدعياً زهدَهم، وألَقَ عشقهم، في قصائد تمتزج بأرواح المعذبين، من أجل صوغ حياة أكثر اتساعاً، معرفياً ووجدانياً، تخترق حواجز المسكوت عنه في تراثنا العربي الذي ترجَم أشعار الحب إلى دلالات مباشرة تم إسقاطها على شخصية بعينها، على رغم وجود معطيات تقول غير ذلك، وتشي بالوجع الجمعي. يقول: «وأني بحبكِ أدركتُ معنى وجودي، وأني بدونكِ لا شيءَ»، كأن الحب هو الذي يحقق الكمال البشري للذات، فتعرج إلى آفاق الغيم. قد يكون الكمال الذي يتحدث عنه الشاعر ما هو إلا وجود الذات من خلال شعرية المحبة والألم في صورة واحدة، وأن الذات من دون الحب الخالص للنفس من ناحية والفناء في المعشوق، من ناحية أخرى، لن تكون لها قيمة حقيقية. سيظل النص الشعري لدى فريد أبو سعدة صوفياً غامضاً، ومنغلقاً أمام اتساع ثقافة الشاعر ونضجها، وتحققها الخالص. وقدّم الشاعر الكثير من مشاهداته اليومية على مدى خمسين عاماً، وأضافت قصيدته أبواباً فنية جديرة بالدراسة والبحث. وعليه، فما زال مشروعه الشعري والمسرحي يحتاج الكثير من النبش والتفكيك الجمعي، كي يمنحنا النص بعض خباياه وهباته الكامنة. ويقول أبو سعدة في قصيدة أخرى: «أنا خائفٌ من ذهابي إليَّ/ أحاول أن أتذكرَ من كنتُ/ قبلَ وجودي/ وما كان اسمي/ وهل كان شكلي كما هو/ أم كنتُ غيري؟/ كأن حياتين تلتقيان هنا فجأة/ وكأن المرايا ستعكسُ وجهين/ وجهي ووجهي الغريب عليَّ». تبدو روح الذات الشاعرة كما تبدَّت في النص الأخير، يغلب عليها طابع الحنين، المتوتر، القلق الذي لا يستطيع أن يتخذ قراراً ما. هي حائرة بين الوجود واللاوجود. واللافت بروز الذات المتشظية في النص، إذ إنها تحاول الوصول إلى نموذج ثابت لها فلا تستطيع ذلك، كأنها أصبحت تعيش أكثر من حياة، الوجه الحقيقي الأصلي والوجه الغريب. وتكمن هنا أيضاً المفارقة الدرامية التي يتلاعب بها النص ذاته، إذ إننا أمام نص متعدد الوجه في حقيقة الأمر، لما تعكسه مرايا الذات المتحركة. تعكس تلك الذات أكثر من وجه، وهي تفصل بين الشخصية المركزية، والشخصية القناع التي يحاول الشاعر الحياة من خلالها. قدَّم أبو سعدة مسرحيات شعرية عدة، منها: «حيوانات الليل»، «عندما ترتفع الهارمونيكا»، «ليلة السهروردي الأخيرة»، التي تواجه التطرف الديني والإرهاب الفكري من خلال سيرة الفيلسوف الصوفي شهاب الدين السهروردي، وآرائه التي اصطدمت بتزمت فقهاء حلب، الذين وشوا به لدى السلطان، لتنتهي حياته نهاية مأسوية، كغيره ممن ساروا على الدرب ذاته، تماماً مثل الحلّاج.

مشاركة :