فريد أبو سعدة: الشعر رحلة من المألوف إلى المدهش

  • 7/24/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» فريد أبو سعدة أحد أبرز الأسماء الشعرية في جيل السبعينات، صاحب تجارب متنوعة، رؤيته في الكتابة متطورة مرت بعدة مراحل، كتب التفعيلة وأجاد فيها، واتجه منذ فترة طويلة إلى كتابة قصيدة النثر، له عدة دواوين منها «الغزالة تقفز في النهر، ووردة للطواسين» وغيرها.يرى فريد أبو سعدة أن حياته ارتبطت بالشعر منذ مراحله المبكرة، فقد مثل له حالة من الخلاص ومن التطلع إلى المستقبل، بما يمثله الشعر من أفق مفتوح على الحياة عبر ثنائية التأثير والتأثر، فقد عشق الفن منذ طفولته وأحب الصورة ولذلك تخصص في دراسة الفن التشكيلي، واختاره بحرية لأنه من أقرب الفنون إلى الشعر، فكلاهما تشكيل بالصورة، من خلال استعادة الطفولة الإنسانية، عبر مفردات فنية متنوعة.واختاره- أيضاً- مجالا للعمل، وعن هذا يقول: لقد منحني الفن التشكيلي طاقة إيجابية استفدت منها كثيراً في كتابة الشعر وفي تشكيل الصورة التي تنفجر داخل النص الشعري لتضيء الحالة، وهذا ما يتضح في دواويني المختلفة سواء التفعيلية أو قصيدة النثر. عن علاقته باللغة يقول أبو سعدة: لقد تحولت اللغة في يد المبدع العربي إلى مادة مطواعة فاتنة، صنع منها عجائب في التشكيل الزماني والمكاني، في الموسيقى والمجاز، كما تضعنا وجهاً لوجه أمام شاعرين، شاعر يعتمد على الإيقاع المتكرر المنضبط، وآخر يعتمد على الإيقاع المتنوع المفتوح، وبين التكرار والتنوع، أو بين الانضباط والتماثل من جهة، والمختلف المؤتلف من جهة أخرى، دلت اللغة على شعريتها وأبانت عن رقصتها الفريدة.ويضيف أبو سعدة قائلاً: إن الفنان يبتكر بأعماله عالماً مصغراً ونظاماً جديداً تتسق فيه الموضوعات وأبعاد المكان والزمان في علاقات جديدة، منصرفاً عن الاستعمال الشائع الذي ابتذله الاعتياد، ولا بد أن يختلف ما يسمى الصدق الفني عن الصدق العرفي، الذي يهيب بمعايير المنطق أو العلم التي تميز بين الصدق والكذب، والانفعال هو حصيلة العمل الفني أو الأدبي، وهذا ليس أمراً قليل الشأن؛ لأن الانفعال هو التعبير الإنساني عن كل ما يبلغه الإنسان أو ينجزه، وهو المعادل أو المكافئ الإنساني المباشر لأي ممارسة، والعلامة المميزة لعمقها.يقول ماركيز: «كما لو أن هناك أحداثاً واقعية يمكن نسيانها، هناك أيضاً أحداث لم تقع أبداً، ويمكن أن تظل ذاكراً لها كما لو أنها وقعت». هذه العبارة تتضمن مفهوماً مختلفاً للفن، فإذا كانت المفاهيم السابقة للفن، من حيث قدرته على التغيير، أو التفسير أو التنوير للواقع، قد أصبحت من السرديات القديمة فإن فكرة توسيع العالم، فكرة الخلق والإضافة أصبحت هاجس الكتاب، فمن ألعاب كاتب كبير مثل بورخيس هذه الرغبة والمقدرة على تأسيس وقائع وشخصيات لم تكن أبداً، وإعطاء تكويناته السردية، الخيالية مصداقية الحقائق الواقعية الموضوعية، فنرى بعض قصصه تبدأ كما لو كانت دراسة علمية خالصة، وأحياناً على شكل فكرة فلسفية أو طرح جدلي وحيله في ذلك متعددة، فقد يبدأ النص بفقرة من عمل أدبي قديم أو من مرجع تاريخي أو علمي، أو باستدعاء ومناقشة أسطورة قديمة أو فكرة فلسفية لم تحسم بعد.أتعامل مع الكتابة بهذا المنطق، حيث الخيال يلعب دوراً كبيراً في بلورة الرؤية وتشكيلها جمالياً، فالكتابة متعة في الأساس، يصنع الشاعر من خلالها أسطورته يشكلها ويهندسها وفقاً لمقدرته ولمنطلقات الخيال ومنابعه بداخله، هذه المتعة تدفعني دائماً للبحث عن نص جديد، يغاير النص الذي كتبته من قبل، أحاول التمرد على ذاتي وعلى رؤيتي السابقة للأشياء، حتى يكون للنص الشعري خصوصية وله ما يتكئ عليه في طرق البناء والمعني أيضاً أتذوق الجملة الشعرية قبل أن أكتبها، وأراجعها أكثر من مرة حتىw تخرج بالصورة التي أريدها أن تخرج عليها أستقي من التفاصيل الصغيرة عوالم تدهشني أولاً، ثم تتحول داخل الوعي إلى لغة شعرية، مشهدية تعتمد على اللقطة العابرة، وحول منابع الكتابة لديه يؤكد أبو سعدة أن الكتابة تجيء من مصادر مختلفة، ومن سياقات متعددة ومن تجارب وخبرات تتراكم عبر الزمن.ويضيف أبو سعدة قائلاً: دائماً ما تعتريني عدة أسئلة منها: متى يكشف الكاتب عن مصادره، عن التجارب والوقائع في حياته، تلك التي تكمن في الظل طويلاً، ثم تطفو فجأة لتكون قصيدة، أو واقعة شعرية في قصيدة؟ ومتى يضع أمام القارئ وقائعه ليرى الفرق بين الواقعة كما وقعت، والواقعة وقد أصبحت في قفاز المجاز.بمعنى كيف يضع أمام القارئ نافذة يتلصص منها على تحول وقائع من السيرة الذاتية إلى عمل إبداعي، وكيف تفعل المخيلة أفعالها السرية، وما هي الطرق التي تسلكها وهي تفعل ذلك؟ المخيلة، فيما أرى، تقوم بعمل المايسترو إذ تقود أوركسترا من عازفيها الثلاثة وهم: الذاكرة، والوعي، واللغة، في أداء هذه المهمة، مهمة التحريف أو الانحراف بالواقعة من العارض إلى الخالد، من المألوف إلى المدهش، من الخلو من المعنى إلى المشحون بالمعنى. ويضيف أبو سعدة أن الشاعر دائماً ما يكون في حوار متصل مع الذات حول علاقتها بالأشياء صغرت أم كبرت، يراودها دائماً عن منطلقات جديدة للكتابة. والشاعر الحقيقي- من وجهة نظري - هو المشغول دائماً بالأسئلة، يكررها على نفسه، وعلى الأشياء من حوله، ومن خلال السؤال وتكراره يتفجر الشعر وتناسب الرؤية، وتتعدد الدلالة التي تأتي من منابع متعددة، ترتبط بقدرة الشاعر على توليد المعنى، وقدرته على الإتيان بمجاز بصري يخترق المباشر والعابر ليحط بأرض غير مأهولة. حينئذ يأتي الشعر طياً- كفراشة- زاهية الألوان مشرقة تسحر ببريقها وجمالها العيون.الشعر دائماً ينحاز إلى الجماليات في الصورة والمعنى قدر انحيازه للواقع، فالعمل الفني ليس رسالة من مبدع إلى متذوق، بل هو تصوير لمدرك حسي أي لدال، فيستمد الفن عناصره من الواقع الموضوعي المحسوس بكل خصائصه، وفي وسع القارئ والمتلقي أن يحيل التجربة الفنية إلى عناصر فعالة في حياته اليومية؛ لأن الفن لا يفرض على المتلقي تمثل المدركات الحسية بحيث تنفصل عن عالمه كي تتحد في عالم آخر أكثر صفاء، مثلما صنعت الحداثة، بل ليغمر نفسه في الواقع، فالأعمال التي ما زلنا نتذوقها وتنتسب إلى سياقات بعيدة في المكان والزمان، فإن المتلقي دون وعي في أغلب الأحيان ينقل قدرته على استعادة موقف الفنان من السياق، عن طريق عملية التمثيل والاسترجاع لذلك السياق، فالفنان يقدم عملاً فنياً إلى المتذوق في نطاق سياق ثقافي معين مثقل بالمواقف المتعددة، ويلتقط المتذوق أو الناقد موقف الفنان من خلال السياق المشترك بينهما، ففي التذوق الفني يوجه المتلقي حساسيته نحو العمل الفني مباشرة، من دون وساطة أو قواعد، في حين يتوجه بقدراته الفكرية المثقفة إلى السياق، ليتخذ منه وصفه وتفسيره، وتقييمه لذلك الموقف الذي يكتشفه.

مشاركة :