الأدب رافعة اللغة

  • 1/23/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: عيد عبدالحليم يلعب الأدب دوراً مهماً في الحفاظ على اللغة العربية والارتقاء بها، من خلال أشكاله الإبداعية المختلفة في الشعر والقصة والرواية والنقد، والتي من الممكن أن تساعد على تطور لغة الضاد حتى تواكب التطورات العصرية، على اعتبار أن الإبداع أحد الروافد المهمة للنهوض بها. يؤكد الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة أن الدور الأكبر في تنمية الوعي بأهمية اللغة العربية يقع على الأدباء، لأن الأدب هو المرآة الصادقة لتطور اللغة، وهو حياة أخرى بالنسبة لها، والمجدد الدائم لأنساقها، وهذا ليس وليد اللحظة الراهنة فقط، بل يمتد عبر تاريخ الأدب العربي منذ العصر الجاهلي حتى الآن، فقديماً كان الشعر الجاهلي قبل الإسلام هو النموذج للحفاظ على قوة وسلامة اللغة، والدليل على تعدد روافدها، وتنوع منابعها، وتأكيد جمالياتها الفنية، وقد احتفى العرب قديماً بالشعر ليس باعتباره فن العربية الأول، وإنما لأنه المحافظ على العادات والتقاليد والأعراف القبلية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت كانت القبيلة تفرح إذا ما ولد ونبغ فيها شاعر، لأنه سيكون المدافع عنها والمبين لمكارمها ومواضع التميز عندها، وهذا ما نجده في المعلقات السبع التي تعد وثيقة لغوية وتاريخية مهمة، تؤكد عمق الإحساس بقيمة الأدب والشعر بوجه خاص في ذلك العصر البعيد، وعلى مكانة الشاعر باعتباره حارساً للغة ومجدداً في أنماطها. يضيف أبو سنة قائلاً: وجاء القرآن الكريم ليحافظ على اللغة العربية ويكرمها أيضاً لأنه نزل بلسان عربي مبين وظل الشعر وفن الخطابة لهما مكانة مميزة عند العرب في العصور التالية، وبدأ العلماء يضعون القواعد اللغوية والبلاغية التي تبرز جماليات هذه اللغة الأم، فتطورت أدواتها، وتجددت بنيتها، حتى وصلنا إلى العصر الحديث، الذي نحن في أمس الحاجة إلى تأكيد جماليات لغتنا وهويتها الممتدة عبر العصور. وبالتأكيد يلعب الأدب دوراً مهماً ورئيسياً في هذا الإطار للنهوض بها، من خلال تطعيمها بمفردات الحياة اليومية، وغيرها مما يعد إثراء لها وإضافة حقيقية لها، خاصة مع تنوع فنون الكتابة، فلم يعد الشعر وحده في هذا المجال، فهناك الرواية التي تطورت تطوراً مذهلاً في السنوات الأخيرة، وكذلك المسرح بأشكاله المتعددة والقصة القصيرة وفن المقال وغيرها من الأشكال التي بإمكانها أن تعيد اللغة العربية لمكانتها التي تستحقها. ويؤكد الناقد د. حامد أبو أحمد أن اللغة العربية مازالت تحتفظ بمكانتها في الواقع الإنساني، وأن ازدهار الفنون الأدبية ساعد على ذلك بشكل كبير، كما ساعد على وضع اللغة العربية على الخريطة الثقافية والإبداعية العالمية، فهناك كثير من الأعمال العربية تترجم إلى جميع لغات العالم في الرواية والقصة والشعر، وهناك مشاركات عربية كثيرة في المهرجانات والمؤتمرات الثقافية العالمية، ما يجعل هناك حضوراً عربياً مميزاً، ومما يعطي للعالم انطباعاً مميزاً عن تطور اللغة العربية عبر أنساق الكتابة المختلفة. ويضيف د. أبو أحمد قائلاً: هناك عدد كبير من الأدباء العرب يعملون في إبداعاتهم على الاهتمام بعنصر اللغة، الذي هو من وجهة نظري أساس للعناصر الإبداعية الأخرى التي يجب أن تتوافر ويتضمنها العمل الإبداعي، فبدون لغة جيدة لا يوجد إبداع حتى لو كان هناك تخيل وتأمل وغير ذلك. فاللغة هي الحاضنة الأولى لأي إبداع أدبي أو فني. وأرى أن هناك جيلاً من الأدباء الروائيين والشعراء حالياً يحتفون باللغة ما يعطي نصوصهم مذاقاً خاصاً، على مستوى التشكيل والبناء، إضافة إلى مستوى الرؤية، وهناك حقول نقدية تعتمد على عنصر اللغة عند تحليل النصوص الأدبية، كل ذلك بالتأكيد يساعد على الارتقاء والنهوض باللغة العربية. ويتفق مع هذه الرؤية الناقد د. صلاح السروي، مشيراً إلى أن وضعية اللغة العربية في الدراسات الأدبية المقارنة، وضعية متميزة، لعدة أسباب منها أن هذه الدراسات تعتمد على تحليل دقيق للعلاقات اللغوية داخل النصوص، وكذلك دور اللغة في التأثير في الآداب الأخرى، وهذا يعطينا مؤشراً واضحاً حول دور الأدب العربي الحديث في التعريف بجماليات اللغة العربية. ويضيف: هناك طفرة نوعية تشهدها الساحة الأدبية العربية حالياً عبر عدة مستويات، فهناك أساليب كثيرة ظهرت في الكتابة الشعرية في أشكالها بين العمودي وقصيدة التفعيلة مرورا بقصيدة النثر. أما الرواية فتعددت أشكالها، فهناك الرواية الواقعية والرواية التاريخية ورواية الهامش وغير ذلك من الأشكال التي بدأت تظهر، لكن تبقى اللغة أساساً لها وعاملاً مهماً فيها، وأعتقد أن هذه الطفرة تساعد - بالتالي - على النهوض الفعلي للغة العربية. وعلى مستوى الدراسات الأكاديمية، هناك اتجاه لدى كثير من الباحثين الجدد في عمل دراسات حول علاقة اللغة العربية بالواقع المعاصر والبحث عن مكامنها وجواهرها، لتجديدها كما قال حافظ إبراهيم: أنا البحر في أحشائه الدر كامن، فأسرار اللغة العربية كثيرة لا يقدر على فكها سوى الأدباء. ويرى الناقد د. شاكر عبد الحميد أن اللغة العربية إحدى أبرز اللغات الحية في العالم، فالتجديد كامن في بنيتها منذ أقدم العصور حتى الآن، ويضيف د. شاكر قائلاً: هناك عناصر مضافة إلى اللغة العربية في الأدب الجديد، خاصة عنصر الصورة في العمل الإبداعي، في الشعر والرواية والقصة، وهو نصر حداثي بامتياز، وتعتمد عليه أغلبية الآداب العالمية، وأصبح هذا العنصر مسيطراً في كثير من الأعمال الجديدة.وتؤكد الروائية أمينة زيدان أن اللغة العربية هي لغة أدبية في الأساس، وأن قواعدها بدأت من خلال النظر إلى النصوص الأدبية منذ تأسيس علم النحو، ثم علم العروض وعلوم البلاغة المختلفة. وتضيف أمينة قائلة: في الوقت الراهن على الأدباء دور كبير في النهوض باللغة؛ لأن الاستسهال قد يؤدي إلى ضياعها وانهيارها، لذا على كل من يريد الكتابة الإبداعية أن يدرس اللغة ويتذوقها، لأن اللغة العربية لغة تذوق، وهي أكثر اللغات التي تحتوي على تنوع في المفردات، وتنوع في الجماليات والرؤى. ويرى الروائي د. السيد نجم أن العربية من أكثر اللغات حضوراً في العالم، وزاد هذا الحضور في السنوات الأخيرة مع زيادة الإبداع الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية. ويضيف د. نجم قائلاً: لعل الاقتراب من تعريف اللغة هو التعرف إلى كونها وسيلة - بحسب تعريف اللغويين والفلاسفة - أي من خلال وظيفة اللغة، حيث هي وسيلة التواصل والتماثل بين الأفراد والجماعات. ويشير د. نجم إلى أن الإبداع الجديد بأشكاله المختلفة يحتفي باللغة، حتى في أكثر الأشكال تجريباً وهو الإبداع الرقمي، الذي يجيء متعدد الأدوات ومتنوع الأغراض، يخاطب الأحاسيس والمشاعر ولم يتخلَ عن العقل، وقد ساعد هذا الإبداع - كما قلنا - على انتشار اللغة العربية على الإنترنت، إضافة إلى التأثير القوي للأدب الورقي، الذي زاد حجمه في السنوات الأخيرة بشكل كبير.

مشاركة :