قال الناقد الدكتور سعيد السريحي إن اللغة قد تكون أداة من أدوات الإرهاب، لأنها ناقلة لعملياته ومتوعدة أو رافعة لجملة من الإشاعات، فحين تلعب هذا الدور بإمكاننا أن نرى أن الإرهاب من هذه الزاوية إرهابا يتمترس خلف استراتيجيات اللغة، ويمتلك خطابا مستدرجا حينا ومهددا حينا آخر، وفي كلتا الحالتين خطاب يتكئ على مرجعيات عقدية تتجلي في تبنيه نصوصا تتوافق مع أساليبه وأهدافه ويصادر في الوقت نفسه نصوصا لا تتماشى مع تلك السياسات ويتكئ على مرجعيات تاريخية تهدف الجماعات الإرهابية من ورائها إلى استخدام الماضي من أجل تقويض الحاضر. شظايا تاريخية وأشار السريحي في الأمسية النقدية التي أقامها أدبي الطائف مساء أول من أمس بعنوان "تفكيك خطاب الإرهاب" إلى إن الإرهاب نتاج لشظايا تاريخ تجاهلت الأنظمة التعليمية إصلاحه، فحملت الأجيال المتوالية خطياه وأخطاءه، وشظايا اختلافات حول نصوص دينية أفلتت من سياقاتها وتحرجت المؤسسات الدينية من إعادتها إلى تلك السياقات فورثت أجيالا تتربى على إعمال العقل ما بين تلك النصوص والاختلافات، وانتهى الأمر إلى أن تَشَكُّل تلك النصوص مرجعية للجماعات الإرهابية ومرجعية في الوقت ذاته للجهات التي تتصدى للإرهاب. وقال "لا بد أن ندرك أن الإرهاب حتى وإن تم توظيف جانبه الحركي من قبل دول خارجية إلا أنه صنيعة لنصوص شرعية لم يتم تمحيصها ومساءلتها كما هو نتاج لصياغة تاريخنا الذي تتوثق فيه علاقتنا بالأمم المجاورة عند حدوث المعارك والغزوات. وأضاف "الجماعات الإرهابية لا تريد الماضي الذي نعرفه بل ماضيا تقوم بصناعته ليكون هو المستقبل ولذلك تقوم بتدمير المواقع الأثرية". توظيف واستغرب إسقاط مسمى الخوارج على الجماعات الإرهابية دون الأخذ في الاعتبار أنهم "يمنحونهم نسبا عريقا في التاريخ وإرثا له أدبياته". وتساءل عن الجماعات الإرهابية اليوم، وبيّن أننا عندما نسميهم بالخوارج فإننا ننزع كلمة "الخوارج" ونسقطها على جماعات لا أصل لها ولا جذر، والخوارج كانوا نبتة من داخل الدولة ولم يكونوا مرتبطين باستخبارات أجنبية، بينما الجماعات الإرهابية تقوم بتوظيف رأسمالها في تسمية قياداتها، فكأنهم يعيدون صياغة أنفسهم لكي يظهروا عبر التاريخ بالكُنى وترتبط هذه بالمدن والدول التي جاؤوا منها مثل "أبومصعب الزرقاوي، أبوبكر البغدادي وهذا يشكل قطيعة، مع الأسماء الحقيقية لمن تكنوا بها ولكنها تشكل استثمارا لتقليد عربي وقيم تاريخية تجعل منها قوة رمزية تسهم في ترميز تلك القيادات وترميز ما يقومون به من أعمال، والكنية ليست مجرد قناع للتخفي، وإنما هي قناع يشبه قناع الحرب ويحول لابسه إلى قوة خفية من قوة الموت، والحديث عن الاإرهاب لا يتعلق بـ"داعش" و"القاعدة" فقد عايش الناس في نهاية الستينات هذه الجماعات الإرهابية". غموض وتابع "تعريفات الجماعات الإرهابية يلفها الغموض وَقّاد هذا الغموض لاختلاف سياسات الدول تجاه الجماعات التي تنظر إليها بعض الدول على أنها مناضلة تستحق المساندة، كما أن التعريفات تخضع لشروط تاريخية تتغير فيها النبرة، فتتحول من جماعات جهادية يفوح المسك من جثث ضحاياها في حقبة من الزمن إلى جماعات إرهابية تُرصد الجوائز لمن يكشف مخططاتها، وما يجمع بين هذه التعريفات على تباين تفاصيلها يتمثل فيما تهدف له الجماعات الإرهابية من وراء عملياتها من إثارة الرعب والخوف والفزع في المجتمع وهو الأمر الذي لا يحتاج تعريفا، فاستبطان الدلالة اللغوية لمصطلح الإرهاب من شأنه أن يحيل إلى الأثر الذي يتركه في المجتمع والمتمثل في إثارة الفزع والخوف وهو الأمر الذي يقتضي أن يكون تعريف الإرهاب منطلقا من أثره في المجتمع وليس من سياسات وأهداف الجماعات التي تقوم بِه فيغدو كل فعل غايته إثارة الفزع سواء مصدره الفرد أو المؤسسة أو الدولة أو الجماعة وسواء كان منطلقا من مرجعية عقدية أو سياسية وبناء على ذلك فإن الاإرهاب لا يغدو مجرد الحدث الذي يقع والجريمة التي ترتكب سواء كانت قتلا أو تفجيرا أو خطفا وإنما الإرهاب الأثر الذي يتركه ذلك كله في النفس من يشعرون بأنهم معرضون لحدث مماثل سواء كانوا مجتمعا أو جماعة، وبذلك يصبح الحدث في العمل الإرهابي فعلا رمزيا يستمد خطورته ومقدرته على التأثير من كون الضحايا الذين يتعرضون له ليسوا مقصودين في حد ذاتهم، وكان من الممكن أن يكون غيرهم في مكانهم، كما أن لا علاقة مباشرة تربطهم بمن يرتكبون الجريمة التي وقعوا ضحايا لها ولا علاقة يمكن لها أن تبرر لهم تلافي ما قد يحدث، وهذا يعني أن ضحايا الإرهاب ضحايا رمزيون وممثلون للمجتمع المستهدف وذلك يعني أن كل فرد من أفراد المجتمع عبارة عن ضحية محتملة أو ضحية مؤجلة ويعزز ذلك ما تعمد إليه الجماعات الإرهابية من اتخاذ الأماكن العامة ميدانا لتوجيه ضرباتها كالأسواق والمساجد وإضافة إلى صعوبة أو استحالة تجنب الناس لهذه الأماكن، فإن أي حدث يتم فيها لا يمكن حجبه أو نفي وقوعه أو تعليله بأي سبب يمكن أن يقف وراءه أحداث مماثلة في مواقع أخرى، وبذلك حينما تعمد الجماعات الإرهابية إلى استخدام المساجد والأسواق مجالا وميدانا لعملياتها الإرهابية تضمن وصول رسالتها وتحقيق حالة الفزع الذي تستهدف تحقيقه، من خلال حلحلة وخلخلة العلاقة بين المجتمع والمؤسسة التي تكتسب شرعيتها من خلال الحفاظ على أمن واستقرار ذلك المجتمع". وقال "إذا كان الحدث الإرهابي حدثا رمزيا يستهدف إثارة الفزع فإن ذلك يعني يعني حاجته للوسائط التي يمكن لها أن تعلن عنه وتوسع دائرة تأثيره وهو ما يعني أن الإرهاب لا ينتهي بوقوع الحدث وإنما يبدأ منه، وبذلك تصبح الوسائط المختلفة وعلى رأسها اللغة، آليات لا يمكن تحقيق الإرهاب لأهدافه من دونها وتصبح اللغة وسيلة من وسائل الإرهاب، سواء جاءت هذه اللغة في صورة بيانات تبثها تلك الجماعات الإرهابية التي باتت تحرص على إعلان تبنيها لما يحدث أو جاءت في صورة أخبار تنشرها الدول المتضررة من تلك الأعمال على تباين ما بين بيانات الجماعات الإرهابية وأخبار الدول المتضررة وتباين خصائص الخطاب الذي ينسج حول تلك الأحداث التي تحاول الجماعات الإرهابية من خلاله تأكيد قوتها وتبرير أعمالها". تصحيح مفاهيم واختتم أمسيته قائلاً "نحن بحاجة لتصحيح المفاهيم فهناك مفارقات بين التعليم في المنزل والمدرسة وعمن يغير أفكاره وبين من كان يدعو للجهاد من قبل والآن يدحض هذه الدعاوى، مشيرا إلى أنهم يغيرون أفكارهم أكثر مما يغيرون ملابسهم الداخلية".
مشاركة :