إعادة تأهيل السودان بقلم: محمد أبو الفضل

  • 1/23/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

على المستوى السياسي هناك حاجة للتعاون مع السودان، قبل أن يتحول إلى قاعدة جديدة للتحركات الروسية التي أصبحت إحدى العلامات البارزة في المنطقة. العربمحمد أبو الفضل [نُشرفي2017/01/23، العدد: 10521، ص(9)] من حسن حظ السودان أن هناك مصالح استراتيجية تربطه بعدد من القوى الإقليمية والدولية، عصمته خلال السنوات الماضية من مواجهة ثورة شعبية عارمة، تعصف بما تبقى من وحدة أراضيه. فبعد إتمام العملية الجراحية التي أفضت إلى فصل جنوب السودان عام 2011، وجدت بعض الدوائر الخارجية خطرا في تشجيع المعارضة على المضي في مخطط إسقاط النظام السوداني. الخطر بدا ماثلا أمام جهات كثيرة، وكانت مؤشراته تقول إنه سوف يقود إلى تفتيت الدولة الهشة التي تعيش في كنف موزاييك اجتماعي من السهل أن يحولها إلى بضع دول، لذلك لم تستخدم بعض القوى أدواتها السياسية والاقتصادية ضد السودان، وحافظت على شعرة معاوية فهي لم تدعمه مباشرة، وبخلت على المعارضة السياسية والعسكرية، بأنواع كثيرة من الدعم. لذلك نجح النظام السوداني في عبور مطبات عدة، وحافظ على وجوده في قلب السلطة، عبر إجراء بعض الجراحات التجميلية، التي مكنته من قصقصة عدد من أجنحة المعارضة، وأفشلت محاولاتها المختلفة لتوريط الخرطوم في مواجهات خارجية، بل نجح نظام عمر حسن البشير في نسج علاقات جيدة مع جهات متناقضة، مستخدما سلاح البراغماتية المعروفة عنه، والتي ساعدته على تخطي جملة كبيرة من العقبات الداخلية، وجذب أنظار قوى إقليمية ودولية إليه. ففي الوقت الذي تمكن فيه السودان من تقوية روابطه مع إثيوبيا لم يفرط في علاقته مع مصر، وعندما أوحى للكثيرين بأن موقفه من إيران لم يعد إيجابيا، وأقدم على إغلاق مراكزها الثقافية في أراضيه، اقترب من السعودية، بصورة مكنته من جلب مساعدات اقتصادية وفيرة، وعندما تطورت العلاقات مع الصين، ضمن منظومة أفريقية تقودها بكين باقتدار في ربوع القارة، اضطرت الولايات المتحدة لعدم استخدام العقوبات التي فرضتها على السودان، والأدهى أن الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما شهدت تحركا نوعيا، قضى برفع العقوبات خلال ستة أشهر. الخطوة الأميركية لفتت انتباه دوائر كثيرة، ليس لأنها جاءت قبيل أيام قليلة من رحيل إدارة أوباما، لكن لأنها كشفت عن تغير استراتيجي قادم في مسار العلاقات الأميركية-السودانية. فالوعد برفع العقوبات يوحي بأن الخرطوم أزالت أسبابها، المتمثلة أصلا في تحسين الفضاء العام للحريات ووقف الانتهاكات ورفع المضايقات التي يواجهها العمل الإنساني والإغاثي في السودان، بمعنى أدق الوفاء بالمطالب الأميركية التي أدت إلى فرض العقوبات. المدقق في المسار السوداني، يتأكد أن مفردات هذه الأجندة لم تشهد تقدما حقيقيا، والخطوة الجديدة فرضتها حاجة لها علاقة بالاستدارة الأميركية في عدد من الملفات، وعلى العكس من مواقف إدارة أوباما الأخيرة في وضع العصي في عجلات إدارة الرئيس دونالد ترامب، نجا السودان من هذه الحلقة، وجرى التعامل معه بما يساهم في إعادة تأهيله وفقا لمقتضيات المرحلة المقبلة. رفع العقوبات ينطوي على أبعاد متعددة. فعلى المستوى السياسي هناك حاجة للتعاون مع السودان، قبل أن يتحول إلى قاعدة جديدة للتحركات الروسية التي أصبحت إحدى العلامات البارزة في المنطقة، ولديه من المبررات ما يمكنه من القفز في الهواء والإقدام على خطوة في هذا الاتجاه، وبالتالي فالموقف الأميركي الجديد لا يخلو من محاولة لفرملة التحركات السريعة لموسكو، ومنع وصول رياحها إلى الخرطوم. وعلى المستوى الأمني، تؤكد الخبرة أن النظام السوداني لديه من المعلومات الكثير بشأن العناصر الإسلامية المتشددة، وعلى استعداد لتقديم أنواع مختلفة من الدعم عند أي مقايضة، فقد سبق له أن قام بطرد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق من أراضيه، وتسليم كارلوس، المطلوب دوليا والمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، لفرنسا، كما أن للسودان دورا في ليبيا من خلال علاقاته مع بعض الجماعات الإسلامية التي تتحكم في مفاتيح الحل والعقد هناك، والتنسيق والتعاون معه في هذا المجال يمكن أن يكون رصيدا لواشنطن، التي تعاني من تآكل دورها في ليبيا، وتخشى من إمساك موسكو بخيوط مؤثرة على الساحة الليبية. التوقيت الذي أعلنت فيه واشنطن عن رفع العقوبات له علاقة أيضا بالحرب المتوقع أن تشارك فيها الإدارة الأميركية الجديدة على نطاق أوسع ضد الإرهاب، والمنتظر أن تشهد تغيّرا عمّا كان يحدث في عهد إدارة أوباما، من حيث التصورات والترتيبات والإجراءات، وربما يكون السودان أحد المحاور التي يمكن الاعتماد عليها، لأن التوجهات العامة لمكافحة الإرهاب في عصر دونالد ترامب ستكون حريصة على اتخاذ حزمة من الخطوات الجديرة بوقف نموه في القارة الأفريقية. كما أن السودان واحد من الدول المركزية في هذه القارة وحلقة وصل بين شمالها وجنوبها، وتاريخه يؤكد أن لديه ما يفيد في عملية المكافحة الواسعة والجادة، إذا أبدى حرصا على التجاوب مع ما هو مطلوب منه، الأمر الذي تعززه الخبرة السابقة، طالما أنه سوف يحصل على مقابل مادي أو معنوي، ولعل انخراطه في تكتيكات الحرب القادمة يحقق له مجموعة من الفوائد. من أبرزها الرغبة في فتح آفاق لعلاقات جديدة مع دوائر وجهات دولية، تعتقد الخرطوم أنها يمكن أن تكون مفاتيح لحل جزء من أزماتها المتراكمة. فتطبيع العلاقات مع واشنطن عقب رفع العقوبات، يساعد السودان على تطوير علاقاته مع دول تدور في فلك واشنطن، ويرى الرئيس عمر البشير أنها تدعم معارضيه، ما يضمن له تقوية مركزه في الحكم وإضعاف موقف خصومه. الحاصل أن الاتجاه نحو رفع العقوبات خلال ستة أشهر، يؤكد أن الثقة في السودان لا تزال متذبذبة، خاصة وأن المعروف عن النظام الحالي أنه يملك قدرة على المناورة والمراوغة والاستفادة من عنصر الوقت، وهي صفات مكنته من تجاوز مشكلات كثيرة مع معارضيه ومن وقفوا خلفهم. من هنا وحتى انتهاء مهلة الـ180 يوما الأميركية، متوقع أن يتخذ السودان تصرفات وممارسات إيجابية، تجعله مؤهلا فعلا لرفع العقوبات وما يترتب عنها من تداعيات، لا سيما أن البشير وحلفاءه في الحكم يدركون أن هذا هو طريق الخلاص المتاح لتجاوز سلسلة كبيرة من الأزمات المعقدة، قبل أن يجرفهم طوفان قطع دابر الإرهاب. كاتب مصري محمد أبو الفضل :: مقالات أخرى لـ محمد أبو الفضل إعادة تأهيل السودان , 2017/01/23 العودة إلى حل الدولتين, 2017/01/16 الأقباط بديلا عن الإخوان , 2017/01/09 القاهرة تستبعد ضرب سد النهضة, 2016/12/29 ماذا لو قررت مصر مضايقة قطر, 2016/12/19 أرشيف الكاتب

مشاركة :