التعاون مع السودان بدلا من الصدام بقلم: محمد أبو الفضل

  • 8/14/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

الطريق إلى احتواء السودان يستلزم تقديم مغريات من نوعية طمأنته بشأن عدم استبعاد رفع العقوبات قريبا، ومشاركته في مناورات عسكرية على أرض مصرية، وصرف النظر عن الكثير من حماقاته السياسية.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2017/08/14، العدد: 10722، ص(9)] منذ أن قررت الولايات المتحدة إعادة النظر في العقوبات التي تفرضها على السودان، بدا أنها اختارت طريق التعاون بدلا من الصدام، وعندما جرى تأجيل رفعها ثلاثة أشهر (حتى أكتوبر المقبل) تيقن الكثيرون من أن إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب تسير على النهج الذي رسمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قبل مغادرة البيت الأبيض بأيام قليلة. وقتها جرت مياه كثيرة بشأن نجاح أوباما في فرض أمر واقع على خليفته، لكن الأيام أثبتت أن ترامب قرر أيضا احتواء السودان بدلا من نبذه، كوسيلة أكثر جدوى، تفرضها معطيات عديدة، حفاظا على المصالح الأميركية في هذه المرحلة، وبدأ التواصل بين واشنطن والخرطوم يمضي في اتجاه إيجابي، وتجاوز عراقيل تأجيل رفع العقوبات ثلاثة أشهر. يوم الجمعة الماضية، أعلنت وزارة الدفاع السودانية أنها تلقت دعوة للمشاركة في مناورات “النجم الساطع” العسكرية التي تجريها الولايات المتحدة ومصر على أرض الثانية، وهي المرة الأولى التي تتم فيها دعوة الخرطوم منذ مشاركتها السابقة عام 1981، ما يعني طي صفحة قاتمة أخرى بين واشنطن والنظام السوداني والتلويح بأن العلاقات تسير على وتيرة جيدة. دلالة الدعوة للمشاركة في هذا التوقيت، تنبع من طول الغياب، كما أن إجراء الولايات المتحدة لهذه المناورات على الأراضي المصرية يأتي بعد توقفها منذ أربعة أعوام، وهي التي كانت تعقد مرتين سنويا في مصر، بمشاركة جيوش من 12 دولة تعتبرها واشنطن صديقة، واستئنافها يؤكد أن العلاقات مع القاهرة عادت إلى طبيعتها الاستراتيجية، ومشاركة السودان تنطوي على رغبة في التعامل معه كصديق وشريك أمني، خاصة في ملف مكافحة الإرهاب وليس كطرف متهم بإيواء جماعات متطرفة تمارس العنف وتؤيده. التجربة أثبتت أن النظام السوداني على استعداد للتعاون في هذا الملف، وقدم خدمات جليلة للولايات المتحدة، بحكم خبرته في الكثير من تفاصيل الجماعات المتشددة، عندما طرد زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن من الخرطوم، وسهل لفرنسا عملية القبض على الإرهابي الدولي كارلوس في تسعينات القرن الماضي. الولايات المتحدة تقيم علاقاتها على أساس حسابات المصالح وليس الظاهرة، ربما تعاملت مع السودان بقدر من الخشونة في بعض الأوقات، غير أن هذه الخشونة تتوارى إذا اصطدمت بمصالح استراتيجية، فغضت الطرف عن الكثير من التجاوزات السودانية عندما وجدت أن الوقوف عندها يؤثر على الخطة التي أعدتها واشنطن لتمهيد الطريق لفصل جنوب السودان. كما تجاهلت الخروقات التي ارتكبت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والولاياتية الماضية، لأنها شعرت أن كشف معالمها يمكن أن يحرج النظام أمام معارضيه ويجعل لهم اليد الطولى في الضغط عليه، فتتأثر قدرته على الصمود وسط فيض كبير من التحديات. لم تتوقف واشنطن أمام مذكرة المحكمة الجنائية الدولية التي طالبت بالقبض على الرئيس عمر البشير وتقديمه للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، لأنها وجدت تعاونها أو ممارسة ضغوط من قبلها للقبض عليه، قد يؤدي إلى انفراط عقد دولة السودان. نعم الولايات المتحدة ساعدت جنوب السودان على تقرير مصيره، لكن لم تجد مصلحة كبيرة في التهاون إلى الدرجة التي يمكن أن تغير وجه السودان ويتحول إلى كانتونات عدة، وزاد رفض هذه الخطوة، بعد أن دخلت الدولة الوليدة (جنوب السودان) أتون حرب أهلية أصبحت تهدد وجودها، وهي التي استثمرت فيها الولايات المتحدة، وحسبت أنها سوف تكون ركنا أساسيا تعتمد عليه في شرق أفريقيا. الحلم الذي بدأ يتسرب من بين يدي الولايات المتحدة، تزداد صعوبة استرداده إذا تصاعدت حدة الأزمات في السودان، فهناك حروب عسكرية في الشرق والغرب والجنوب، ومشاكل سياسية في الشمال، ناهيك عن حزمة كبيرة من المنغصات التقليدية، سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، وأي ضغوط أميركية في هذه الأجواء سوف تؤدي إلى تحلل هذا البلد، الأمر الذي ينعكس سلبا على دولة جنوب السودان التي تسعى الولايات المتحدة إلى إنقاذها من الاقتتال المرير. لأن واشنطن تعي أن البيئة الرخوة كفيلة بنسف خطوات الاحتواء التي تقوم بها في جنوب السودان، فتحاول الحفاظ على الحد الأدنى من تماسك النظام السوداني، لأن انفراطه يمكن أن يرخي بظلال قاتمة على نظام سلفا كير في الجنوب، بحكم التشابك القبلي والتلاحم الجغرافي والاقتتال الأهلي، لذلك تحول الحفاظ على نظام البشير إلى هدف استراتيجي تصعب التضحية به وسط هذه العواصف. النظام السوداني لا يخفي توجهاته الإسلامية، وربما كان ذلك من مبررات الحفاظ عليه خلال السنوات الماضية، ضمن السياسة التي تبنتها الإدارات الأميركية المتعاقبة في التعامل مع التيار الإسلامي، الذي تعاون معها وخدم مصالحها، لأنه يحفظ المعادلة التي تقيم عليها الولايات المتحدة توازناتها الدقيقة. إدارة ترامب لن تشذ عن هذه المعادلة، وإن أوحت قبل تسلمها السلطة بغير ذلك، وتسربت معلومات وظهرت تصريحات تشي بأن واشنطن سوف تضع جماعة الإخوان في سلة التنظيمات الإرهابية، وهو ما جعل البعض يتوقع معاملة قاسية مع النظام السوداني الذي يرتكن إلى التحالف مع هذه الجماعة ويتشرب من التيار الواسع الذي تنتمي إليه. بعد مضي نحو سبعة أشهر على تولي ترامب السلطة، تغيرت التوقعات وبدأ الرئيس الجديد يمضي قريبا من الطريق الذي سارت فيه إدارات سابقة ويُبقي الاعتماد على عصا الإسلاميين، خاصة الجناح الذي تصفه دوائر أميركية عديدة بـ”المعتدل”، ووجد أن السودان يمكن تدجينه وجرى اختباره، وأثبت أنه على استعداد للتعاون إلى أبعد مدى، طالما تحافظ واشنطن على وجوده ولن تسعى إلى اقتلاعه. من هنا تبدو ملامح تطوير التعاون الأميركي معه مفهومة، كما أن توظيفه في الشعار الذي تتبناه الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب سوف يكون مهما، فلديه معلومات عن خارطة الإرهابيين في دول كثيرة، ويمكن أن يفيد واشنطن في هذا الفضاء، إذا قررت الدخول في مواجهة صريحة. في حين إذا جرى استهدافه، سيكون مضطرا للميل إلى المتشددين، بالتالي فالطريق إلى احتوائه يستلزم تقديم مغريات من نوعية طمأنته بشأن عدم استبعاد رفع العقوبات قريبا، ومشاركته في مناورات عسكرية على أرض مصرية، وصرف النظر عن الكثير من حماقاته السياسية. كاتب مصريمحمد أبو الفضل

مشاركة :