لُعن إبليس ونال المصير التعس بسبب الحسد، وكانت جريمة ابن آدم قابيل عندما قتل أخاه هابيل.. الحسد، وكان كفر الكافرين بالرسالات النبوية.. دافعه الحسد، وكان القتل بين الأقارب والتآمر والتجسس والظلم والتناحر.. نتيجة للحسد. لا شك في أن أعظم خطايا البشرية جاءت نتيجة حسد فلان لعلان؛ حسد الأنبياء لتفردهم بالرسالة الإلهية، وحسد الأغنياء لغناهم، والملوك لملكهم، وحسد الجميلات لخلقتهن، وحسد الأذكياء لتميزهم، وحسد العلماء لعلمهم، فنشبت حروب ودُمرت بيوت وهُدت صوامع وبيع وكنائس.. فقط باسم الحسد. الحسد نار تأكل صاحبها لتخرج أقبح ما فيه، دخان من الحقد والتوحش، فيتحول ألطف شخص بسبب حسده إلى خسيس وضيع يبحث عن أخبث الحيل ليجرد المحسود من نعمته التي هو فيها، حتى وإن لم يكن بمقدوره ذلك، فيجعل همّه كل همّه إحباط الشخص الذي يكنّ له حسداً عملاقاً، وثنيه عن عزيمته، والتقليل من شأنه أمام الآخرين مستخفاً بعلمه إن كان عالماً، وبشواهده إن كان حاصلاً على شواهد عليا تثبت اجتهاده، ومن ثروته إن كان صاحب غنى وثراء، ومن ورعه وتقاه إن كان شيخاً وفقيهاً، يتحين الفرص ليدس سُمّه مرة في سمعته ومرة في أصله ومرة في عرضه. تصبح قضية وجوده إخماد لهيب حسده بكل الطرق البئيسة. يتعلم الطفل الحسد منذ نعومة أظافره عندما تقارنه معلمته بزميله المتفوق، وتهينه أمام الفصل بسبب غبائه المزعوم، وتتعلم البنت الحسد وهي صبية عندما تجعلها أمها محط مقارنة مع بنات خالاتها أو صديقاتها عن أيهن أجمل، وعن أيهن ستظفر بزوج الأحلام أولاً، فيكبر جيل بعد آخر يصبح فيه التفوق الدراسي والزواج والمال والجمال أسباباً في دمار الأسر والصداقات، يحقد الأخ على أخيه حسداً فيما هو عليه من اجتهاد، وتكره الفتاة صديقتها حسداً في زواج الأخيرة، وتنشب الصراعات بين العائلات حسداً فيما عند فلان من أموال وكماليات، مجتمع يعميه الحسد عما عنده، فينسى كل الأمور الجميلة التي يمتلكها ويسخّر جهده للنيل من فلان بسبب شيء واحد لا يملكه. الحاسد أضعف مخلوق بشري، ضعفه يتجلى في عجزه عن حب نفسه أولاً، وحب غيره، فالمحب لنفسه يكره أن يراها تتخبط في الخطأ، وينأى بها عن الصغائر والقبائح، ويرتقي بها كي تصبح نفساً مهذبة سليمة عفيفة، فلا يقبل أي انحطاط منها ويقومه، ولو تطلب الأمر جهداً خرافياً، يكره أن يرى نفسه كاذباً، أو سارقاً، أو ظالماً، أو حاسداً.. فيربي نفسه على محبة غيره ومحبة الخير لهم كما يحب ذلك لنفسه ولأبنائه وذويه. تخلُّصنا من الحسد لا يأتي إلا عندما نصالح ذواتنا، ونعترف لها أننا قد نشعر أحياناً بحسد تجاه فلان بسبب نعمة ساقها الله له، فنستطيع تهذيب هذه النفس الجشعة بقمع كل شعور خسيس منها، ونعودها على الفرح بالخير لكل الناس، ونربيها على الاهتمام بما تملك لا بما لا تملك. فالحسد تخمد نيرانه أمام نفس تسمو للكمال، وتطرد عنها كل إحساس غبي قد يشوّه كمالها، وينتقص من رقيّها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :