من شر حاسد إذا حسد

  • 1/29/2018
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

لم يخلق الله تعالى العباد ليتحاسدوا وإنما خلقهم ليعبدوه، وتلك العبادة لا تتفق أبدا والإضرار بالغير ماديا ولا معنويا مهما كانت الأسباب بغير حق له أساس تكليف. وليس في الشر المنبعث من النفس تجاه نفس أخرى مسلك جواز ولا أهلية وصول، حيث النفوس معصومة الأصل. وفي قصة نشأة الخلق التي أوردها القرآن ظهرت النفس تحسد أخرى بالنظر لنوعية عرقية أو تكوينية، فكانت سببا في عقاب أبدي لطرف، ثم سببا آخر لإغواء طرف وابتلائه. وتوالت الأحداث حتى نشأ من ذرية من ابتلي من يقتل أخاه بعلة لا اعتبار لها في حكم الله، ومن ذلك انطوت النفوس على تراكمات شر ربما أفرزت عملا يهدم مقومات البشرية جمعاء، لأن الله تعالى قال: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. والنفس كما أنها ساحة سانحة مهيأة لحمل خير عظيم واحتواء أمة كاملة كنفوس الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، كما قال ربي: إن إبراهيم كان أمة. فإن النفس أيضا قابلة لأن تكون نار إذكاء للشرور عامة وكافة فإن إبليس قال: لأغوينهم أجمعين.والحسد من مواد النفوس السالبة التي لا تنفك عنها إلا بدين وعبادة ورجاء ما عند الله تعالى، وفي خفايا النفس من بذور الحسد أبواب ما لم تغلق بالرضا والإيمان بالقضاء والقدر وبأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فإنها تفتح على ذات الحاسد نوافذ الهلاك النفسي العظيم الذي يشغل عن كل صلاح ذاتي ومصلحة شخصية بمراقبة الخلق وحسدهم. وكذلك تفتح من شرور هذه النفس على الآخرين تأثير العين، ومن ثم جرأة الأفعال تبعا لذلك الشعور البغيض أن صاحب النعمة غير مستحق لها، والله قد أجاب بقوله: أأنتم تقسمون رحمة ربي. وقال عن هؤلاء: يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. وقد وجدت من علامات النفوس الحاسدة ولو لم تتكلم أو تفعل أنها عن الخير محجمة، وعن التعاطف متخلفة، وعن معالي الأمور ناكصة، وعن حوار هادف بناء لرقي مجتمع نائمة ومتعبة.ووجدتها كذلك لا تبتسم لنعمة سمعتها عن أحد، ولا تهنئ بمناسبة ولا تشاطر الناس الدعاء، بل ولا تدعو لأحد بخير حسدا أن يستجيب الله دعاءها لأحد. ووجدتها ترى أحقيتها في مال الآخرين ولو كانوا عنها بعيدين، وحقها في خدمات الآخرين ولو لم يكونوا لها بمعرفة. والنفوس حين تخفي حسدا فإنها في التأثير على الآخرين أعظم، وفي الاستدلال عليها أخفى وأدق وأخطر، لذلك قال ربنا في عموم الاستعاذة: ومن شر حاسد إذا حسد، في إشارة لاحتمالية ذلك من كل نفس لم تكبح ذلك الجماح بدين الله. وحين ربطت الاستعاذة في النص القرآني بحرف الشرط (إذا) فتلك لفتة كريمة بأن مجابهة الشر منذ بداية انطلاقه، فلو انطلق الحسد ووصل للمحسود فهناك محل رقية وعلاج، لكن درع المؤمن وحصن المسلم آيات الله تعالى العاملة في كل تحركات كونه أن يقيه الله تعالى شر كل ذي شر. ومن وجد في نفسه امتعاضا من نعمة لآخر فليتدارك نفسه من ذلك، فتلك علامة على خفايا حسد ولو صغرت. لكن مع كل هذا فمن المحبط جعل مظنة الحسد شماعة الفشل، واتخاذ ذريعة حسد تبرير الفوات، لأن انقلاب الممكن قطعي الوجود حلية الكسالى حيث لا رقيب.albabamohamad@

مشاركة :