يدخل المغرب الشقيق تجربة الصيرفة الإسلامية بعد منح الموافقة مؤخرا على تأسيس عدد من البنوك الإسلامية أو البنوك التشاركية، ونحن واثقون بأن هذه التجربة سوف تحظى بكل النجاح، لأنها تقوم على أسس واضحة لجهة إعداد البنية التحتية التنظيمية وخلق البيئة التشريعية الملائمة بما يضمن وجود نظام رقابي وإشرافي قادر على جعل تلك البنوك تسهم إسهاما إيجابيا في تنويع وتوسيع مساحة تغطية النظام المالي والمصرفي واستقطاب مزيد من الأموال والاستثمارات للمغرب بما يعزز من دوره في برامج التنمية الاقتصادية. علاوة على ذلك، نحن نرى أن المغرب يتمتع بكثير من الخصائص والمزايا التي سوف تجعل من تجربة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي من التطبيقات المعاصرة الناجحة، فعلى سبيل المثال طبيعة المجتمع المغربي المسلم والتي تجعل من إقباله على التعامل مع الصيرفة الإسلامية إقبالا تلقائيا وطبيعيا ينسجم مع عقيدته. علاوة على ذلك، وجود بنك مركزي ممثلاً ببنك المغرب الذي سيعمل على توفير البيئة التشريعية والفنية الضرورية لنمو وازدهار الصيرفة الإسلامية في البلاد. كما أن المستثمرين المغاربة أظهروا درجة استعداد ورغبة قوية لتأسيس مصارف إسلامية برؤوس أموال كبيرة، وهو ما تمثل في عدد التراخيص التي منحت من قبل بنك المغرب ونوعية وحجم المصارف المغربية والخليجية والعربية الرئيسية التي تقدمت بهذه الطلبات. هناك أيضًا عامل قدرة البنوك الإسلامية على هيكلة وطرح منتجات وخدمات مالية متوافقة مع متطلبات الشريعة الإسلامية وتتسم بالكفاءة والجودة وبما يلبي حاجات ورغبات شرائح واسعة من مختلف القطاعات الاقتصادية في المجتمع المحلي. وأخيرًا يجب ألا ننسى عنصر جودة الخدمة وتنافسيتها، وخاصة فيما يتعلق بالكلفة، وهو جانب نلحظ اهتمام كثير من المصارف به باعتباره أحد العناصر الحاسمة في سوق ذات تنافسية عالية. ويتطلع المغرب من وراء تأسيس مصارف إسلامية إلى تحقيق منافع اقتصادية ومالية جمة، حيث إن المصارف الإسلامية وبحكم فلسفتها ومبادئها، تركز أنشطتها على الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي. لذلك، فمن المؤمل أن تلعب البنوك الإسلامية دورًا مهمًّا وحيويًا، وخاصة في دعم المجالات الإنتاجية وتعزيز فرص النمو، وخاصة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والذي يتسيد الاقتصاد المغربي، مما يعزز دوره في عملية التنمية الاقتصادية لقدرته على المساهمة بإيجابية من عدة نواحٍ، لعل أبرزها تلك المتعلقة بخلق الوظائف وتحسين المستوى المعيشي لقطاع كبير من المجتمع المغربي. كما أن البنوك الإسلامية سوف تسهم في توسيع رقعة الشمول المالي في المغرب والذي يقدر حاليا بنحو 70%، مما يعني أن هناك فرصا كبيرة أمام البنوك الإسلامية للتوسع واستقطاب الودائع وتقديم الخدمات لشرائح واسعة من العملاء. كما سوف تسهم البنوك الإسلامية أيضا في تحفيز رؤوس الأموال المهاجرة وأموال العمالة المغربية المهاجرة، وهي بأحجام كبيرة للغاية، والتي ظلت خارج السوق المصرفية التقليدية لحرص أصحابها على استثمارها في بنوك إسلامية والعودة من جديد للعمل من خلال الدورة الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن دخول المصارف الإسلامية سيكون عاملاً إيجابيًا لجهة حفز قطاعات واسعة من المجتمع المغربي للتعامل من خلال المصارف وهو ما سيسهم بكل تأكيد في زيادة عدد المتعاملين مع المصارف، ويسهم في زيادة معدل الادخار الوطني على المدى الطويل، حيث إن هناك قطاعات واسعة كما هو الحال في معظم المجتمعات الإسلامية والعربية تحجم عن التعامل بالقروض من المصارف التجارية، وهي حالة كانت سائدة في تركيا، حيث أثبتت دراسة قامت بها إحدى بيوتات الخبرة أن أكثر من 50% من الشعب التركي لا يتعاملون مع المصارف بسبب عدم وجود بنوك إسلامية. كما يجب علينا ألا ننسى -بأي حال من الاحوال- عاملا آخر له أهميته الخاصة يتمثل في المهنية والكفاءة، حيث إن الصيرفة الإسلامية أثبتت جدارتها عالميًا لتميزها بسمات إيجابية، أبرزها استنادها إلى التعاليم الإسلامية السمحاء التي تشمل مبادئ النزاهة والشفافية والعدل والتكافل الاجتماعي، وهي كلها قيم أساسية في الحوكمة المؤسسية المقاصدية، والتي بدورها تقوم على فكرة تجسيد مبادئ المشاركة في الواقع العملي، بحيث تصبح عملية البحث عن الربح قيمة أخلاقية في حد ذاتها وليس وسيلة لتعظيم الثروة فحسب. إننا ومع إقرارنا بعوامل النجاح المتوافرة للصيرفة الإسلامية في المغرب، وبالمنافع الكثيرة التي يمكن أن تحققها، فإننا -من واقع خبرتنا في هذا المجال- نود أن نلفت الانتباه إلى بعض التحديات المتوقعة التي يجب أن يلتفت إليها القائمون على هذه التجربة والمعنيون بنجاحها، وأود هنا أن أشير -بشكل خاص- إلى ضرورة إيجاد نظام فاعل يسهر على عملية توعية الجمهور بالمعاملات المصرفية الإسلامية، ومسؤولية إيجاد مثل هذا النظام هي مسؤولية مشتركة بين الجهات الرقابية والإشراقية من ناحية، وبين المصارف الناشطة في هذا المجال من ناحية أخرى. حيث إن وجود مثل هذا النظام سيسهم بكل تأكيد في زيادة مستوى الوعي، وفي الوقت نفسه سيوجد حافزًا إضافيًا للبنوك لتحسين جودة خدماتها ومنتجاتها. كما توجد حاجة ماسة ودائمة إلى تطوير الكوادر البشرية، حيث إن هناك شعورًا حقيقيًا بأن هناك نقصًا في الكفاءات البشرية، وخاصة في الجوانب المتصلة بالفتاوى التي تختص بهذه الصناعة، وهذا يدعونا إلى تأكيد مسألة التدريب والتوسع فيه على المستويين المحلي والدولي. إننا نعتقد أن قطاع التمويل الإسلامي لا يزال ذا سعة كبيرة تستوعب مزيدا من المتعاملين في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية كافة. وفي كل الأحوال فإن استمرارية نجاح وازدهار هذا القطاع منوطة بمصداقية التوجه وتلبية احتياجات المستثمرين بالجودة المرجوة والعائد المناسب والمخاطر المقبولة. { رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
مشاركة :