محمد جبريل وقراءة الصور

  • 1/24/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شيئان لا يمكن بيعهما ولا المقايضة عليهما بكنوز الدنيا: الحلم والذكرى، وللذكرى ذاكرة لا تهرم ولا تشيخ، تظل خصبة ثرة ثرية كلما توالت الصور وانثالت على المخيلة. وصور محمد جبريل البرانية والجوانية خاصة عامة: تمر بك تارة ، وتمر بها تارات، ترحل بها عنك مرة وتتزود بها أخرى، تلتقطها عفو الخاطر بلا تكلف، تعيش بها، تعتاش بها، تقتات على موائدها، تتعزى بها، تشحذ عزيمتك، تقف منها حائرا راغبا في العودة واللاعودة، تشتبك بها، تعانقها، تحاولها، تغالبها، تفر منها ورغما عنك تعود إليها، تقفز إلى مخيلتك، تصير شريطا أمامك، تغمض عينيك فتتضح معالمها أكثر. ما من شيء يرسخ الأشياء في الذاكرة كالرغبة في نسيانها، تحاول التملص منها، فتغريك وتغويك وتثنيك فتعود متشبثا بها فيستعصى بعضها عليك، ينفلت من بين يديك، تشد على ذاكرتك أكثر بلا جدوى، تحاول استدعاء ما لا ينبغي أن ينسى، ولكن هيهات فقد حل ما ينبغي أن ينسى محله، فتصبح صورك ذاكرتك المحمولة، تحملك وتحملها وتفرض عليك أن تحتمل قسوتها ونزقها ووجعها الذي يتنزل عليك – معها - قطرة قطرة. صورك: ذاكرتك، نعيمك وجحيمك في آن، جنتك ونارك، سراؤك وضراؤك، صورك وجهك الذي اندغم في وجوه الآخرين فلم يعد وجهك، سقط منك في زحامك المجنون، وفي فوضى زحامهم. هذه الصور صور الذات والآخر، صور المخفي المستور المخبوء للقريب والبعيد، إنها صوت الومضة التي تصير لحظة فتتخلق حالة تتقمص المتلقي روحا. هي صور مصر التي كانت وما زالت في خاطر جبريل بأهلها وناسها الطيبين، وشوارعها وحواديتها تُقرأ بحميمية، فهي تكشف عن نفسها بنفسها من خلال عدستها الكاشفة التي تقوم بدور الفوتوغرافيا، حيث يقوم جبريل في صوره بدور المصور الذي يعيد إسقاط المشهد أمامه بواسطة تأثيرات ضوئية تكوّن خيالا حساسا للضوء يُعالج تقنيا – بالتظهير - بهدف إظهار العالم من خلال فنه. يلتقط جبريل اللحظة بصريا لتبقى إلى الأبد حكاية ضوء وظل حكاية، يعيد إنتاجها قارئ نشط لا يكتفي بالوقوف عند سطح المكتوب بل يستنطقه ويؤوله ويحاوله ويغالبه ويخلقه في صور أخرى تسقط فيها أشياء، وتتساقط منها أشياء، وتظل من قبل ومن بعد صور الصور تتخلق وتتشكل وتوثث ذاكرة أخرى تختلف باختلاف القراء أنفسهم وأدوات قراءتهم استنساخا واستنطاقا وتشخيصا: تفكيكا وتركيبا. وبعد، فالصورة حكاية تستحق أن تُروى وتُلتقط وتُصوّر وتُمثل وتُرسخ وتُنتج في كل قراءة من جديد. د. سمية الشوابكة ـ الأردن

مشاركة :