«لا أتصور نفسي في غير الكتابة وفي غير القراءة والتأمل وتسجيل الملاحظات والإبداع، الكتابة جزء من حياتي اليومية، وتكويني الجسدي والنفسي، هي مثل احتياجات الإنسان الضرورية».. تلك علاقة الكاتب والروائي المصري محمد جبريل بالكتابة، وموجز رحلته مع الحياة والأدب. وفي حواره مع «الاتحاد الثقافي»، قال جبريل، إنه بدأ المعايشة والملاحظة والاختزان في سن مبكرة، من قراءات ورؤى وخبرات وملاحظات وتجارب له وللآخرين، حاول صوغ وجهة نظر شمولية تحاول الاكتمال وتفيد الآخرين، وعبر من خلالها عن فلسفة حياة مكتملة، إضافة إلى محاولات التجريب تقنياً.وكشف عن أنه كان يشعر أحيانا أنه صبي في ورشة «أسطواتها» ديستوفيسكي، وبلزاك، وفلوبير، ونجيب محفوظ، وديكنز، وكافكا، ومارسيل بروست، وغيرهم، يتلمس التعلم في إنجاز كل واحد من هؤلاء المبدعين، من حيث اللغة والتقنية وإجادة التقاط التفصيلات. وأضاف أن هناك شخصيات يميل إلى الكتابة عنها بمجرد رؤيتها، كتلك السيدة التي رآها في محطة الترام، وهي تحمل حاجيات بيتها، ولم تفارق ذهنه حتى كتب عنها بعد عشرات الأعوام، وإذا أراد تصور مشهد مكاني، يلجأ إلى الورقة والقلم ليرسم المشهد بكل تفصيلاته كما فعل في روايته «قلعة الجبل»، وفي فصول «رباعية بحري»، وهناك نصوص كثيرة تباينت مع الفكرة التي كانت تشغله، حيث حلت شخصيات وأحداث، واختفت أخرى. خصائص جمالية يقول جبريل إنه يحب القراءة، وتمثل له تحريضاً على الكتابة، «إذا قرأت عملاً جيداً غمرني شعور بالاعتزاز كأني أنا الذي كتبته، أو تمنيت أن أكون الكاتب، والعمل الذي يوظف التاريخ يحتاج إلى قراءات عن الفترة التي يعرض لها، والشخصيات التي يتناولها وكل ما يتصل بها من القيم والمعتقدات والتقاليد وطبيعة التعامل والأسواق والحالة الاقتصادية والنسق المعماري وحتى ألعاب الأطفال والملابس والطعام، أي أتوحد مع الفترة بأحداثها وشخصياتها، ثم أخلو إلى الأوراق والقلم». ويرى جبريل، أن الوجدان المصري والعربي يتقبل كل الظواهر الميتافيزيقية، وأن القلة القليلة من خاصة المبدعين العرب يعرفون معنى الواقعية السحرية، ويمارسونها بعفوية الفعل أو ما يميل إلى تسميته «الواقعية الروحية» باعتبار أنها تهب دلالة أكثر رحابة وأشد تحديداً. يؤكد جبريل، أنه على الروائي أن يثري إبداعه بإسهامات الفنون الأخرى، بما تملكه من خصائص جمالية وتقنية، فيتحقق للنص الأدبي أبعاد جديدة، وينبغي أن يكون ذا حس عال بالشعر، لأن هناك حساً للكلمة وحساً للصورة وهما حسان شاعريان وأن اللفظة مهمة في الرواية والصورة أيضا بالقدر نفسه لأهميتها في القصيدة الشعرية، فالرواية الحديثة تحوي إطاراً شعرياً، بل إنها من دون الشعر لا يمكن أن تحيا ولا تبشر بآفاق أخرى للمعرفة غير المنظورة، والمزاوجة بين التوتر الشعري والفن السردي إضافة مطلوبة في فن الرواية. تجديد وحداثة يوضح جبريل، أن التجديد والحداثة مطلوبان لاستمرار أي فن لعدم جموده أو زواله، ويضيف بضرورة استنطاق التراث واستلهامه وتوظيفه، لأن التراث يظل في النهاية تراثاً، والمعاصر يجب أن يكون تعبيراً عن الفترة التي صدر فيها ولها، وأننا إذا كنا مطالبين بعدم الانكفاء على الذات، والاكتفاء بما خلفه الأجداد من موروث ثقافي وحضاري، فإننا مطالبون في الوقت نفسه بألا نعتبر كل ما يبدعه الغرب مثلاً يجب أن نحتذيه، لأن العلاقة الجدلية تفرض الحوار والموافقة والرفض وإبداء الرأي واتخاذ الموقف الذي يعبر عن خصوصية حياتنا، وعاداتنا وتقاليدنا، واتصال ماضينا بحاضرنا وعن استشرافنا للمستقبل. وأشار الكاتب المصري إلى أن القضية الأساس في خلفية كل القضايا، هي الوجود الإنساني، وما قد يخلفه الإنسان من أثر. ويرفض جبريل دعائية الفن وجهارته وتقريريته ومباشرته، لكنه لا ينفي القيمة ولا يرفضها، لأنه يجد فيها بعداً مهماً في العمل الابداعي، وإلا تحول إلى ثرثرة لا معنى لها، ولا قيمة، وربما يحاول أن يعبر عن ذلك في كتاباته، لكنه يفضل أن يتم على نحو فني، فلا تقريرية ولا جهارة ولا مباشرة، وإنما حرص مؤكد على فنية العمل الإبداعي من حيث هو. رصيد أدبي ولد محمد جبريل في الإسكندرية عام 1938، وبلغ إنتاجه الأدبي 86 عملاً، منها 50 رواية، و12 مجموعة قصصية، وأكثر من 20 دراسة نقدية وأدبية، ومن أعماله «تلك اللحظة» و«ذاكرة الأشجار» و«الشاطئ الآخر» و«انفراجة الباب» و«الأسوار» و«إمام آخر الزمان» و«من أوراق أبي الطيب المتنبي» و«قلعة الجبل» و«الصهبة» و«علي تمراز» و«زهرة الصباح» و«رباعية بحري» و«المينا الشرقية» و«نجم وحيد في الأفق» و«زمان الوصل».
مشاركة :