المستفيد الوحيد من التدخل الروسي الإيراني التركي في سوريا هو النظام السوري فقط، فقد ساعدته هذه القوى في القضاء على المعارضة وبسط نفوذه على الأراضي التي خرجت عن سيطرته. العربد. ياس خضير البياتي [نُشرفي2017/01/25، العدد: 10523، ص(8)] روسيا – تركيا – إيران.. المصالح تصالحت، وأعداء الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم، تلاقت طموحات الدول الثلاث، التي كانت منذ العشرات من السنين تمثل إمبراطوريات، غربت شمسها، على خارطة طريق واحدة. وكل هذه الدول تسعى بكل ثقلها السياسي والعسكري إلى الهيمنة على المنطقة العربية، كل على حسب أجندته الخاصة. ولكن هذه الطموحات مرفوضة شكلا وموضوعا، إذا كانت مبنية على حساب استقرار وسيادة دول أخرى، أو كانت تسببت، أو ستتسبب، في إزهاق أرواح المئات من الآلاف أو تشريد الملايين. صحيح أن الطموحـات الروسية والتركية خطيرة، لكن الطموحات الإيـرانية أخطـر دون شك على المنطقة والدول العربية، وهو ما يحذر منه رجال السياسة، ويؤكدون أن غياب أجندة إستراتيجية عربية لمستقبل المنطقة، جعلها مطمعا لاستراتيجيات قوى إقليمية وعالمية. إن التحالفات الأجنبية للتدخل في الشؤون العربية، لا تهدف بأي حال إلى إضفاء استقرار داخل دول المنطقة، لأنها تعمل على تعميق الصراعات، وأن الدول المتصارعـة هي من أدخلت حـروب الوكالة إلى المنطقة، حيـث تسعى كـل منهـا إلى إيجاد مجموعة مـن الميليشيـات أو التنظيمـات الإرهـابية تحـارب من أجل أهداف هذه الدول، وتربط هذه التنظيمات مصيرها بمصير الدول، بعيدا عن المصالح الوطنية. كما أن هذه القوى تتحرك في المنطقة بحسب أجنداتها ومصالحها، التي تتعارض بالضرورة مع المصالح العربية، خاصة أن تدخلات هذه الدول تقوم على أسس مذهبية مثل إيران، ومصالح توسعية مثل تركيا، واختطاف دول في المنطقة في إطار صراعاتها الدولية مثلما تفعل روسيا، في سوريا. إن تدخلات روسيا في المنطقة العربية تأتي انطلاقا من الأدبيات الروسية السياسية، وحلمها بالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وشواطئه، ومصادر الطاقة الموجودة به، وكذلك ملء الفراغ، الذي أحدثه انسحاب أميركا من المنطقة. مثلما منحها هذا التدخل ميزات كبرى منها أنها قد بدت أمام العالم بوصفها المتحكم الوحيد في الصراع السوري، مما أعطاها ثقلا كبيرا في المحافل الدولية، إضافة إلى ميزة إمكانية لعب هذا الدور نفسه ببلدان عربية أخرى مثل ليبيا، ولتكون بذلك قد استعادت جزءا من دورها الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي باعتبارها وريثته، لأن روسيا لا يعنيها تفتيت سوريا بالأساس بقدر مصالحها. إن الإدارة الأميركية أعطت الضوء الأخضـر لروسيا في قيادة المنطقة، خاصة مع وجود دعوات إلى تدخل روسي في ليبيا، كما حدث في سوريا، حيث باتت روسيا بالنسبة إلى الكثيـر من العـرب أكثـر جدية في الحرب على الإرهاب، لذلك تستخدم المنطقة العربية كـورقة ضغط على المجتمع الدولي من أجل مصالحها في كل من أوكرانيا وجزيرة القرم ورفع العقوبات الدولية عنها. أما المشروع الإيراني في المنطقة العربية فواضح، والكل يرى بأنها تسعى إلى تصدير ثورتها إلى الدول المجاورة، فمنذ تحولها من الثورة إلى الدولة، وهي تسعى إلى أن يكون العالم العربي تحت نفوذها، وتحقق لها ذلك جزئيا في العراق وسوريا واليمن، وتريد تطويق دول الخليج لإحداث تفوق إيراني كاسح في المنطقة. كما أنها تحاول بسط نفوذها على المنطقة، من خلال نشر مذهبها في الدول العربية أو تكوين نخب سياسية داخل هذه الدول تتناسب سياستها مع الرؤى الإيرانية التوسعية. أما تركيا فإنها تهدف من تدخلها في الشأن العربي السوري إلى عدم السماح للأكراد بإقامة وطن لهم على حدودها الشمالية، وما ينجم عن هذا الكيان من نتائج متوقعة متمثلة في تشجيع أكراد جنوب تركيا على التمرد وربما العودة إلى حمل السلاح ضد الدولة التركية رغبة في الوصول إلى المناطق، التي يزعمون أنها “أرضهم التاريخية” في شمال سوريا، وجنوب تركيا، وصولا إلى استنساخ تجربتي أكراد العراق وحراك أكراد سوريا. إن أخطر ما يهـدد المنطقـة العـربية لم يعـد انهيـار النظـم السيـاسية، وإنمـا الـدخول في نسيج هـذه المجتمعات القديمة، وعدم اعتراف كل طائفة بأخرى وتأزم التعايش السلمي في ما بينها، كما كان الأمر من قبل. نعم مؤتمر أستانا هو لتصالح المصالح، ولكن هناك أيضا خلاف بين روسيا وتركيا من جانب، وإيران من جانب آخر حول مدى السماح للنظام الحاكم في سوريا بالسيطرة على الأراضي السورية وحول تصفية كل الفصائل المعارضة هناك، ذلك لأن مصلحة إيران من تدخلها في الشأن العربي هو السيطرة عليه، ومد نفوذها داخله، من خلال سيطرتها على كل من العراق وسوريا وتطلعهـا للسيطرة على لبنـان من خلال حزب الله، كي تصبح لها الكلمة العليا في المشرق العربي لمواجهة التحالف العربي الخليجي. إن مصالح الدول الثلاث المختلفة هي التي دفعتها إلى التواجد في سوريا عسكريا وسياسيا، فالمصالح تتصالح بين القوى الثلاث، لكن هذا التفاهم والتناغم لن يستمر إلى الأبد، بسبب اختلاف الرؤى الإستراتيجية لكل دولة التي ترغب في أن تحققها في النهاية. لكن المستفيد الوحيد من التدخل الروسي الإيراني التركي في سوريا هو النظام السوري فقط، فقد ساعدته هذه القوى في القضاء على المعارضة، سواء أكانت مسلحة أو غير مسلحة وبسط نفوذه على الكثير من الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرته. فهل يحقق مؤتمر أستانا المصالحة مع المصالح أم أن الأمر يبدو من قبيل بالونات ستنفجر عندما تبدأ الحقيقة في ساحة ميدان المعارك وليس في قاعات فنادق خمس نجوم؟ كاتب عراقي د. ياس خضير البياتي :: مقالات أخرى لـ د. ياس خضير البياتي المصالح تتصالح في أستانة ولكن, 2017/01/25 محللون تحت طلب الأزمات, 2017/01/19 كيف نحول الصحافة الاقتصادية إلى صحافة شعبية؟ , 2017/01/11 الإعلام.. الرصاصة الأولى في حروب المستقبل , 2017/01/05 العرب وثقافة الإعلام العلمي , 2016/12/29 أرشيف الكاتب
مشاركة :