يصر زياد الرحباني في الآونة الأخيرة على الظهور عبر وسائل الإعلام، مرئية ومسموعة ومكتوبة، على خلاف عادته سابقاً في رفض الظهور الإعلامي إلا نادراً. حينذاك كان الفوز بحوار معه حدثاً صحافياً، بخاصة أنه صاحب آراء ومقولات ونهفات و «تعليقات» هي غاية في الطرافة والظُرف. إلا أن إطلالاته الأخيرة المتكررة والمتكاثرة في طريقة لافتة ونافرة، أفقدته «الهالة» التي طالما أحاطت به كمسرحي وموسيقي كبير. ولعل هذه الإطلالات أساءت إلى جمهوره الهائل، اللبناني والعربي، الذي لم يتخلّ عنه يوماً ولو اختلف معه سياسياً. لماذا «يتهافت» زياد على هذه الإطلالات الإعلامية اليوم؟ هل يظن أنها تعوّض الأزمة الإبداعية التي يجتازها حالياً والتي حوّلته من موسيقي خلاق إلى مجرد عازف يستعيد أمجاده السابقة وأعماله التي حفرت أثرها في ذاكرة الجمهور ووجدانه، كما في صميم الحركة الموسيقية العربية الحديثة؟ هل تملأ هذه الإطلالات الفراغ الذي يعيشه زياد بعد انقطاعه عن التلحين والتأليف الموسيقي والمسرحي منذ أعوام، منصرفاً إلى كتابة المقالات «الغريبة والعجيبة» والى النضال العبثي واللامجدي والذي سبقته الظروف الراهنة؟ فقد زياد بريقه الإعلامي للأسف، وخسر الكثير من جمهوره إعلامياً وليس فنياً، وباتت إطلالته التلفزيونية خصوصاً، دونكيشوتية وشبه «تهريجية»، وبات يكرر نفسه وكلامه واتهاماته العشوائية وآراءه السياسية غير المتزنة ومواقفه غير المضبوطة والتي تحتاج إلى إعادة نظر... وعندما شعر زياد برتابة كلامه وتكراره واستهلاكه، غاص أخيراً في كشف شؤون عائلية تطاول تحديداً فيروز وعاصي ومنصور وريما شقيقته. لم ينس جمهوره كيف اتهم زياد في إحدى إطلالاته، الأخوين رحباني باستضافتهما في المنزل ضباطاً سوريين ومسؤولين سياسيين كتائبيين وقت حصار مخيم تل الزعتر الفلسطيني، الذي أسقطته لاحقاً قذائف الجيش السوري. وفي هذا السياق، تحدث زياد في آخر إطلالاته في برنامج «المتهم» (تلفزيون «أل. بي. سي.») عن نضاله ضد دخول الجيش السوري إلى لبنان غداة اندلاع الحرب الأهلية ومؤازرته اليمين المسيحي، وتطرق إلى برنامجه الإذاعي الشهير «العقل زينة»، الذي هاجم عبره النظام السوري والرئيس حافظ الأسد، ووضع فيه أغاني هازئة، ما أثار نقمة الاستخبارات السورية عليه... وقال زياد إن «شخصاً» اضطر للذهاب إلى دمشق ومقابلة الرئيس حافظ الأسد طالباً منه مسامحة زياد وغض النظر -واليد- عنه جرّاء حملته على النظام والجيش السوريين. وكان أن سامحه الرئيس، إلاّ أن زياد، الذي أعلن ما يشبه المعركة بينه وبين شقيقته ريما وأمه فيروز، لم يقل، أو لعله رفض القول إن أمه فيروز هي التي اضطرت للذهاب إلى دمشق شخصياً وقرعت باب الرئيس الأسد وطلبت منه أن يغض النظر عن زياد، ورحب بها الأسد وطمأنها وعبّر عن حبه لصوتها وللمدرسة الرحبانية... لم يذكر زياد هذا الأمر، ولا الخوف الشديد الذي اعترى أمه عليه، هذا الخوف الذي دفعها إلى قرع باب رئيس جمهورية، هي التي ترفض كل الرفض قرع أبواب الرؤساء والزعماء السياسيين واللجوء اليهم، وترفض أيضاً إقامة علاقات سياسية مع أي جهة. ومعروف أن فيروز عندما أحيت الحفلة الكبيرة في ساحة الشهداء 1994 طُلب منها بعد انتهاء الحفلة أن تنزل للسلام على الرئيس رفيق الحريري فرفضت، وما كان على الحريري إلا أن صعد إلى المسرح وسلّم على المطربة الكبيرة وحيّاها. أما المفاجأة التي حملها زياد في برنامج «المتهم»، فهي إعلانه أن فيروز كانت معجبة جداً -بل تحب- الديكتاتور المجرم معمر القذافي والديكتاتور الروسي القاتل ستالين... وهذا كلام لا يمكن تصديقه، تماماً مثل كلام زياد عن حب فيروز للسيد حسن نصرالله والمقاومة الإسلامية وحزب الله. وفيروز، التي لا تصرح بتاتاً في أي شأن سياسي ولا تعلن ميولها الســـياسية، مفضلة التزام قضايا الناس وهـــمومهم من خلال أغانيها فقط، لن ترد حتماً على زياد، مثلما لم ترد شخصياً على قضية حبها حزب الله، مكتفية بالتكذيب الذي صدر عن مكتبها الإعلامي. زار منصور الرحباني وفرقته ليبيا في منتصف الثمانينات وقدموا هناك حفلة غنائية وموسيقية، أما فيروز فلم تطأ قدمها بلاد معمر القذافي يوماً. أما حملة زياد غير المبررة على شقيقته ريما وتخيّله وقائع لا صحة لها، فهي حتماً ناجمة عن عملية «حقن» يقوم بها أشخاص حقودون يظهرون كالحملان وهم ذئاب شرسة، وهؤلاء باتوا معروفين ومفضوحين، لا سيما بعد الحملة المدبرة التي شنت على المطربة الكبيرة. أخطأ زياد كثيراً في حق شقيقته ووقع ضحية سوء الفهم والضغينة والفخ المحكم الذي نصبه له أولئك الأشرار، وإذا كانت المسألة مسألة «فايسبوك» كما قال زياد، فكان في إمكانه حلها عبر الـ «فايسبوك» وليس عبر «نشر الغسيل» على الشاشات. وبلغ به ضلاله مبلغاً لم يتوان معه عن التهديد باللجوء إلى القضاء، وضد من؟ ضد شقيقته ومحامي العائلة. ليت زياد الرحباني يتخلى عن هذه الإطلالات التلفزيونية ويكفّ عن محاكمة الآخرين وإطلاق التهم جزافاً وهو غير منتبه أحياناً كثيرة إلى ما يدلي به. وكم كان مفاجئاً تحامله المجاني على الإعلامية اللامعة ديما صادق لقيامها بواجبها، وكذلك على الإعلامي الرائد في حقل برامج الحوارات الحية مارسيل غانم، وهو عمد إلى مدحه أولاً بصفته إعلامياً مهمّاً رسخ هذا النوع من البرامج، ثم هاجمه سياسياً في طريقة عشوائية. والواقع أن غانم لا يحتاج إلى شهادة بعدما حقق نجاحاً إعلامياً فائق النظير، حتى بات له مقلدوه. لبنانزياد الرحباني
مشاركة :