أميركيو العراق بالأمس هم روس سوريا اليوم. ولكن لمَ لم يرفض وفد المعارضة الفكرة من أساسها؟ علوش الذي كان متشددا في رفضه لاستمرار النظام قَبلَ أن يستلم نسخة الدستور السوري الذي كتبه الروس. وهنا بالضبط تكمن فقرة مهمة من الفقرات التي رغب الروس في إعلانها من خلال استانا. لقد صار ضروريا أن تواجه المعارضة المسلحة حقيقة حجمها وقوتها وتأثيرها على الأرض في مواجهة عدو قبلت أن يكتب خبراؤه دستور البلد الذي تطمح في أن تشارك في حكمه. المعارضة السورية التي اعترضت على فقرة تنص على علمانية الدولة المستقبلية تعرف أن استانا هي فرصتها الأخيرة في البقاء على قيد الحياة، لذلك امتثلت لما فرضه الروس عليها. أكان لزاماً على رئيس الوفد الروسي أن يصرح بما يُحرج الطرفين؟ لقد أعلنت روسيا من خلال ذلك التصريح أنها قد أمسكت بكل المفاتيح في سوريا. ما سمعته المعارضة في استانا كان النظام قد أنصت إليه في وقت سابق وهو صاغر. فالدولة السورية التي كانت على وشك السقوط كما حدث في العراق يوم غزته القوات الأميركية لم تكن لتقوى على مقاومة قدرها لولا التدخل الروسي. لقد تعامل الروس مع الرسالة التي أرسلها رعاة المعارضة وهم ليسوا غربيين، بطريقة احترافية حين أثبتوا للمعارضين أن الغرب لم يعد يقف معهم. ولأن أولئك المعارضين باتوا في أضعف حالاتهم فإن اللجوء إلى منظمات الإغاثة لن يجنبهم كارثة قد تحل بهم في أية لحظة إن هم استعدوا روسيا عليهم. لقد صار عليهم أن يعترفوا بأن الحل صار روسياً، وهو ما توافق عليه الجهات التي لا تزال ملتزمة بتمويلهم والدفاع عنهم في المحافل الدولية، على الأقل على المستوى الإعلامي. كانت استانا بمثابة اعلان عن ولادة سوريا الروسية بإمضاء الطرفين اللذين تحاربا ست سنوات. كل طرف منهما كان يحلم بإزاحة الطرف الآخر لتكون سوريا ملكا له. لقد كانت استانا مناسبة لكي يعلن الطرفان عن تخليهما عن حلميهما اللذين أثبتت الوقائع أنهما لم يكونا واقعيين. ولكن هل الواقعي أن يحل الحلم الروسي محل حلميهما؟ وهو ما يثبت أن السوريين قد أخطأوا في تركيب أحلامهم. فالعالم لا يملك وقتا للأحلام الطويلة. لقد تخلى العالم ذات يوم عن النظام السوري وألقاه في سلة المهملات ولكنه الآن يلحق معارضة ذلك النظام به، ليواجها مصيرهما. أما مَن لم يفكر بالتدخل الروسي فإن عليه أن يراجع حساباته في عالم السياسة. سوريا أكثر أهمية من جزيرة القرم بالنسبة لروسيا. فالقرم روسية أصلا أما سوريا فإنها نافذة روسيا على العالم. فاروق يوسف
مشاركة :