الحقيقة أن الباحث في العلاقات الخليجية - الهندية، لا يستطيع من أين يبدأ بحثه نظراً إلى تشعب هذه العلاقات وتنوعها في كل المجالات، ناهيك بتأثر كل طرف بالطرف الآخر ثقافياً واجتماعياً وفكرياً. ولهذا تعتبر هذه العلاقات ذات خصوصية وتميز، خصوصاً أن طرفيها خضعا في وقت من الأوقات لإدارة سياسية واحدة هي إدارة الهند البريطانية، على نحو ما سنفصل لاحقاً. ولأن الهند اليوم تقفز قفزات واسعة نحو الصعود إلى مراتب الدول الكبرى، بل وتحتل موقعاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلمياً بارزاً بين الكبار، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد العربية جملة من التحديات والمعضلات على الصعد السياسية والأمنية والتنموية وخلافها، فإنه والحالة هذه، يُفترض بعث العلاقات القديمة ما بين الجانبين الهندي والعربي وتجديدها وتعزيزها لما فيه مصلحة الطرفين، خصوصاً أنه لا يوجد للهند ماضٍ استعماري، ناهيك بحقيقة عدم وجود قضايا خلافية بينهما حول المياه والأراضي والحدود من تلك التي قد تَحُول دون تعاون الطرفين، علاوة على أن الكثير من الملفات والقضايا البينية الشائكة التي أزَّمت علاقة الهند ببعض الدول العربية في حقبة الحرب الباردة، والتي كانت بفعل طرف ثالث، قد أُغلقت. العلاقات التاريخية القديمة ومما لا شك فيه أن علاقات الهند بمنطقة الخليج تضرب جذورها في أعماق التاريخ البعيد، فوفقاً للحفريات والدراسات الأركيولوجية التي أُجريت في سواحل الهند الشرقية، وما يقابلها من سواحل الخليج العربي، فإن تاريخ نشوء هذه العلاقات يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد حينما نشأت روابط تجارية ما بين حضارة وادي الإندوس وحضارة الرافدين القديمتين. فبسبب الموقع الجغرافي للخليج، المتوسط ما بين هاتين الحضارتين، وبسبب الازدهار النسبي لبعض مناطق الخليج وقتذاك لجهة توفر المواد الغذائية والمياه العذبة، كما كان الحال في مملكة دلمون البحرينية، ومملكة ماجان العمانية، فقد اتخذت هذه المناطق في الخليج كمحطات ترانزيت للتزود بالماء والطعام أو للراحة من قبل السفن التجارية المتنقلة ما بين بلاد الهند وبلاد الرافدين. هكذا كانت البدايات، محصورة فقط في المبادلات التجارية غير المباشرة، وظلت كذلك لفترة طويلة قبل أن يتعلم أبناء الخليج فنون وأساليب التعامل التجاري المباشر مع الهنود، ويوظفوا خبراتهم الملاحية المكتسبة في احتكار الكثير من عمليات التصدير إلى الهند والاستيراد منها وإعادة التصدير إلى مناطق أخرى. وطبقاً لبحث أركيولوجي هندي، فإن اثنتين وأربعين سلعة على الأقل كان يتم فيها التبادل التجاري في تلك الحقبة السحيقة، من بينها النحاس والفضة والعاج واللؤلؤ والأصداف والأحجار الكريمة والملابس المنسوجة. وقد أسفرت الحفريات التي أُجريت في جزيرة «أم النار» في «أبوظبي» عن اكتشاف خناجر برونزية لها مواصفات وأشكال الخناجر المعروفة في حضارة وادي الإندوس. وفي مناطق أخرى من دولة الإمارات العربية المتحدة، مثل «رأس الخيمة»، تم العثور داخل أحد المدافن الأثرية على أوانٍ فخارية وحجرية من عصر «Harappa» في وادي الإندوس، إضافة إلى أحجار للوزن من تلك التي كانت تستخدم في المدن الواقعة على ضفاف نهر السند ما بين عامي 2300 - 1800 قبل الميلاد. ... المزيد
مشاركة :