عندما أطلقت سيدة الأعمال جينا ميلر ومُصفف الشعر دير دوس سانتوس تحديا قانونيا في تموز (يوليو) الماضي، برفع دعوى إلى المحكمة العليا بخصوص سعي الحكومة لتفعيل عملية خروج بريطانيا دون موافقة البرلمان، فإن قلة من الناس فسحب، هي التي ظنت أنهما سينتصران في محكمة الدرجة الأولى، ناهيك عن تحقيق فوز حاسم في المحكمة العليا. إلا أن قرار القُضاة، بثمانية أصوات مقابل ثلاثة، منح المدعيان مكانا في كُتب التاريخ، بتسوية واحدة من أهم القضايا الدستورية في العصر الحديث. أيدت المحكمة العُليا موقف ميلر ودوس سانتوس، وحكمت بأن الحكومة لا يُمكنها تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة لبدء عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (التي ستستغرق سنتين) حتى يوافق مجلسا البرلمان على قانون يسمح لها بذلك.عند النطق بالحُكم، قال اللورد نويبيرج، رئيس المحكمة: "عندما تنسحب المملكة المتحدة من معاهدات الاتحاد الأوروبي فإن مصدرا من مصادر القانون البريطاني سيتوقف ... بالتالي لا يُمكن للحكومة تفعيل المادة 50 من دون موافقة البرلمان على ذلك المسار". مشروع القانون المطلوب يُمكن أن يكون "تشريعا وجيزا جدا"، لكن شكله هو من اختصاص البرلمان، وليس المحاكم.غير أن القُضاة وافقوا بالإجماع على أن الوزارة ليست ملزمة قانونيا على استشارة الحكومات المفوضة في اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية بشأن هذه القضية.هذا الجزء من الحُكم كان بمثابة ارتياح كبير في وستمنستر لأن وضع التشريع أمام البرلمانات في اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية بموجب اتفاقية سيويل - التي تحكُم العلاقة بين وستمنستر والحكومات المفوضة - يُمكن أن يُسبب التأخير وتعقيدات سياسية لخطط تيريزا ماي لتفعيل المادة 50 بحلول نهاية آذار (مارس) المقبل.قال اللور نويبيرجر: "اتفاقية سيويل تلعب دورا مهما في عمل الدستور البريطاني، لكن تنظيم نطاقها وعملياتها ليس من اختصاص المحاكم".وقال محامون إن المحكمة طبّقت المبادئ القانونية المعمول بها بشأن قضايا تفويض السلطة. تشارلز براستد من شركة المحاماة هوجان لوفيلز قال إن الحُكم أوضح أن اتفاقية سيويل ليست التزاما قانونيا.وقال: "من الناحية العملية، الأمر سيكون على الأقل بالقدر نفسه من الأهمية بالنسبة للحكومة هو أن المحكمة أكدت أن الحكومة غير ملزَمة قانونا باستشارة أي من المجالس التشريعية المفوضة".جيف كينج، أستاذ القانون في جامعة كلية لندن، قال إنه لا تزال هناك مسائل سياسية حول تأثير الاتفاقية. "أعتقد أن المحاكم أوضحت أن اتفاقية سيويل ليست مسألة قانونية، لكن المسألة الأوسع حول ما إذا كان يُمكن انتهاكها من خلال عدم استشارة الحكومات المفوضة لم تُحل بعد. الاتفاقية لا تزال تشكل قاعدة سياسية، والسؤال الآن هو ما إذا كان يُمكن تطبيق حُكم المحكمة في كبح جماح الحكومة البريطانية، حتى وإن لم يكُن بالإمكان فرضه من الناحية القانونية".قالت ميلر إن النتيجة أظهرت أن "البرلمان وحده هو من يستطيع منح الحقوق للشعب البريطاني، والبرلمان وحده هو من يستطيع سحبها ... لا رئيس وزراء ولا حكومة يُمكنها أن تتوقع أن تكون غير مسؤولة أو ألا يتم الاعتراض عليها. البرلمان وحده هو الذي يتمتع بالسيادة".ديفيد جرين، المحامي الذي مثّل دوس سانتوس، قال: "موكّلي سعيد بحُكم اليوم. باعتباره من نشطاء حملة خروج بريطانيا، دائماً ما كان يقول إن دافعه لتقديم هذا الادعاء هو ضمان أن العملية الصحيحة والقانونية سيتم تطبيقها في تفعيل المادة 50".السيدة ماي من المتوقع أن تُطلق مشروع قانون وجيز من خلال البرلمان. قالت المحكمة العُليا إن مشروع القانون يُمكن أن يكون "قصيرا جدا بالتأكيد، لكن ذلك لن يُضعِف كونه قرارا بالغ الخطورة والأهمية." كما تعهد الحزب الوطني الاسكتلندي بتقديم 50 تعديلا لمشروع القانون في وستمنستر.شعرت الحكومة البريطانية بالارتياح من حقيقة أن الحُكم لم يكُن بالإجماع. قال أحد مسؤولي الحكومة: "لقد توقعنا 7-4، وليس 8-3. المهم هو أنه لم يكُن بالإجماع، لكن الحكومة الآن ستلتزم بالحُكم".في وستمنستر، المعارضة السياسية لمشروع قانون بخصوص المادة 50 انهارت في الأشهر التي انقضت منذ حُكم المحكمة الأولي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، الذي قضى بأن السيدة ماي يجب أن تستشير البرلمان.الحُكم ليس نهاية كل إجراءات خروج بريطانيا القانونية. المؤسسة الفكرية، بريتش إنفلوينس، تريد من المحكمة العُليا أن تحكم أن هناك حاجة لقانون من البرلمان لإخراج المملكة المتحدة من المنطقة الاقتصادية الأوروبية، بينما هناك قضية سيتم النظر فيها في إيرلندا حول ما إذا كان بالإمكان إلغاء المادة 50 بعد أن يتم تفعيلها. Image: category: FINANCIAL TIMES Author: جين كروفت وميور ديكي وجورج باركر من لندن publication date: الجمعة, يناير 27, 2017 - 03:00
مشاركة :