تحريًا للمصداقية التي أمارسها معك عزيزي القارئ، والإصرار على عدم ذكر أي معلومة خاطئة أو مضللة، فإنني في الأسبوع الماضي استخدمت (أوبر) لعدد من المشاوير التي لا تقل عن ستة مشاوير. السبب الأول لأحتاط من أي مفاجأة قد يفعلها السائق الذي اعتاد المراوغة وطريقة (لوي الذراع)، أو الهرب، أو العودة المفاجئة لبلده.. ولا أخفيك أن هذه هي الحال لدينا مع العمالة التي نجبر في أحيان كثيرة على أن نكون طوع أهوائها، بينما الواقع الصحيح هو العكس، ومن المفترض أن يكون وجودها سبيلاً للراحة والخدمة الأفضل. والسبب الثاني لأقدم لك واقع تجربة، وليس (سمعت، وقرأت، وأحدٌ ما قال لي..)، مع أني أيضًا إضافة للخضوع للتجربة استمعت لعدد ممن يستخدمون التطبيق من الطالبات أو الأسر السعودية والمقيمة، ولم يكن عجبًا ما سمعت. عدد لا بأس به من الشباب السعودي يعمل في توصيل المشاوير، سواء ضمن سيارات الليموزين، أو تطبيق أوبر الأشهر حول العالم. وقد لمست إقبالاً من شبابنا على هذه المهنة التي لا تتطلب شهادات عالية أو لغة أخرى، والتي يستطيع الكثير من الشباب أن يشغلها، وتوفر له دخلاً ليس قليلاً بشهادة الشباب الذين قابلتهم، ويعملون في أوبر وكريم. هذه الخدمة سهَّلت الحياة على الكثيرين من حيث سهولة وصول السيارة إلى مكان الشخص تحديدًا عبر خدمة الخرائط وتطبيق أجهزة الجوال، ثم عبر وسائل الدفع المختلفة التي يوفرها التطبيق، سواء كاش أو بطاقة بنكية. اختلفت النظرة اليوم إلى السائق السعودي الذي كسب ثقة الزبائن؛ لأنه ابن المنطقة الأمين، ولسهولة مخاطبته، ولحرصه على نظافة السيارة، والنظافة الشخصية التي قد تكون شبه مستحيلة مع جنسيات أخرى. كما أن طمع واستغلال السائق الأجنبي للركاب من فئة السيدات، وخصوصًا أنني كنت واحدة من هؤلاء اللاتي لديهن مواقف مريرة معهم؛ إذ طلب مني أحدهم قيمة المشوار مسبقًا بثلاثة أضعاف قيمته الحقيقية؛ ما اضطرني لتقديم شكوى قد تردعه من تكرار الموقف مع غيري، بينما كنت لأعطيه أضعاف المبلغ من ذات نفسي دون أن يمارس الابتزاز والإزعاج. بعد لقائي الدكتور محمد القنيبط للحديث عن العمالة الأجنبية وسعودة الوظائف وبعض القطاعات الأخرى تساءلت: هل يا ترى ستكون سعودة قطاع سيارات الأجرة مبدئيا (كريم وأوبر) ناجحة كما تم في سعودة قطاع الاتصالات؟ كانت السعودة ناجحة تمامًا على عكس توقعات من تنبأ بفشلها لأسباب عدة، منها القرار الحاسم والقاطع بالسعودة دون نِسَب محددة، كما تعاونت وزارات عدة في الدولة وجهات لإنجاح القرار. وقد نتج من سعودة الاتصالات فضح عدد كبير من العمالة السائبة وغير الشرعية في الدولة، التي تعتبر خطرًا كبيرًا اقتصاديًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا. ربما السعودة الكاملة لتطبيق أوبر وكريم مبدئيًّا ستؤتي أكلها ونجاحها؛ لتبدأ خطوة أكبر، وهي كل سيارات الأجرة الخاصة في المملكة، التي سبقتها إجراءات مهدت للفكرة، مثل منع السائق الأجنبي للتنقل بين المناطق، وترصُّد نقاط التفتيش للمخالفين. النجاح يعتمد على وجود عدد كافٍ من الشباب المؤهلين لهذا العمل الذي يسهل أمره اليوم بسبب الاستعانة بخرائط السيد جوجل. وربما لا يكلف ذلك تدريبًا تقنيًّا كبيرًا كما في قطاع الاتصالات، ومعظم شبابنا يتقنون السياقة، ولديهم رخص، مع الحاجة للقليل من التدريب على طريقة التعامل، والحفاظ على الهندام والمركبة نظيفة؛ ليكونوا واجهة مشرفة للزوار الذين يستعينون بالتطبيق منذ لحظة وصولهم المطار. إنها أكثر أمانًا أن تستعين الأسر بالسائق السعودي من أولئك الذين نملك آلاف القصص الموجعة والمخيفة من خلال التعامل معهم. شبابنا أثبتوا قدرتهم وتفوقهم في كثير من المهن التي شغلوها، وهم بحاجة لتشجيع المجتمع، ثم الشعور بالثقة والاعتزاز بتلك المهن التي تدر الدخل عليهم، وتسهم في تحقيق الأمن في المجتمع، والنجاح الاقتصادي، وتقليص نسبة العمالة الوافدة التي يستطيع المواطن ممارسة المهن التي كانوا يستأثرون بها.
مشاركة :